إسلام ويب

نداءات الرحمن لأهل الإيمان 20للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بالمال والرجال تقوم الأمم، وقد جاء الإسلام بحفظ المال وحفظ النفس، فلا يصح أكل مال المؤمن بغير حق، ومن صور أكل مال المؤمن بالباطل السرقة والربا والغش والقمار وغيرها، كما لا يصح إهدار حياة المؤمن وسفك دمه، ولا حتى قطرة دم واحدة، ولكن هناك مواطن يقتل فيها المسلم كالزاني المحصن، وكالقاتل ظلماً وعدواناً، والمرتد عن دين الله، والساحر يقتل حيث بان سحره.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان.

    وهذه النداءات بلغت تسعين نداء، إلا أن النداء الذي قبل التسعين مفتتحاً بنداء الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم والمقصود أمته، وهو قوله تعالى: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ [الطلاق:1]. وهو التاسع والثمانون. وما عداه فكله نداء موجه إلى أهل الإيمان من المؤمنين والمؤمنات، وهذه النداءات صدقوني أنها احتوت على كل متطلبات الأمة الإسلامية أفراداً وجماعات في الحرب والسلم والمال والاقتصاد والآداب والأخلاق والحلال والحرام والعبادات، فكل ما تتطلبه حياة المسلم قد حوتها هذه النداءات الإلهية؛ لأن منزلها عليم حكيم، و بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]. فلهذا أرغب كل من يسمع أن يجعل هذا الكتاب عند مخدته وعند رأسه، ولا ينام حتى يسمع نداء من نداءات مولاه، ويفهم مراد مولاه منه، ويعهد على نفسه ولها أن يعمل، وبذلك لا يبقى بيننا جاهل ولا جاهلة لا بالسياسة ولا بغيرها، وهذا لا يكلفنا شيئاً، فأهل البلاد يتعاونون على طبعه ويوزعونه مجاناً، وللأغنياء أرباب المال فرصة ذهبية لتطهير تلك الأموال وتنميتها، فيطبعون منه مئات الآلاف، ويوضع أيضاً في الفنادق، ويوضع في الغرفة التي ينزل فيها النزيل كتاب: نداءات الرحمن، ويترجم إلى لغات العالم، واتركهم يفهموا عن الله ويعرفوا الإسلام في كماله. هذه المقدمة.

    وأذكركم بما حواه النداء الماضي يوم أمس، وهو قول ربنا جل ذكره: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19]. وسببه كما علمتم زادكم الله علماً: أن عادة سادت في الجاهلية قبل الإسلام، وهي أن الرجل إذا مات أبوه وخلف زوجة أو زوجات يرى وارثه أنه له الحق في تلك الزوجة، فإن شاء تزوجها هو؛ لأنها امرأة أبيه وليست أمه؛ وإن شاء زوجها غيره وأخذ المهر، وإن شاء قال: أنت محبوسة عندنا معضولة حتى تفدي نفسك، وأبوك أو أخوك يدفع المهر الذي دفعه والدي ويأخذك، فأبطل الله هذه العادة الجاهلية بهذا النداء، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا [النساء:19]. فأبطل هذه العادة، وتضمن النداء أنه لا يحل لمؤمن يؤمن بالله ولقائه أن يضايق امرأته ويسيء إليها حتى يضطرها إلى أن تطالب بالطلاق؛ ليأخذ فدية، وهذا يرتكبه أهل الجهل وعدم الأدب والبصيرة، فإذا كره من امرأته خلقاً من أخلاقها يأخذ في مضايقتها وحصارها والتشدد في ذلك، وحتى في الأكل والشرب، حتى تصرخ طلقني وخذ كذا وكذا، فهذا المال حرام أشد حرمة، وصاحبه فاسق أعظم فسق؛ فقد آذى مؤمنة وأخذ حقها بالباطل، ولا يصح والله لمؤمن أن يؤذي مؤمنة ولو بالصوت العالي المزعج، ولو بالنظرة الشزرة، وإن دماءنا وأموالنا وأعراضنا علينا حرام، فلا يعبث بك الشيطان يا عبد الرحمن! وتكره من امرأتك دمامة وجهها أو بعض سوء أخلاقها فتأخذ في مضايقتها والتشديد عليها حتى تفدي نفسها منك، فهذا لا يحل عندنا ولا يجوز، ولا يوجد في الإسلام أبداً، وإنما يفعله الجهال الذين ما عرفوا الله ولا عرفوا لقاءه.

    وما يسمى بالمخالعة أذن الله فيه، وهو أن المؤمنة تكره من زوجها خلقاً أو سلوكاً أو ترى أن بقاءها معه يؤذيها ويضرها، أو يؤذيه هو ويضره، والزوج لا يريد أبداً فراقها، وهي تخشى أن تسيء إليه أو تتضرر معه، فليس هناك بأس في أن تدفع هذا الضرر، فتعطيه ما أعطاها من مهر أو أكثر ويتركها، وتفعل المؤمنة هذا خشية أن تؤذي نفسها، وأن لا تطيق الضرر الذي يلحقها، وتخاف أن يتضرر أيضاً زوجها المؤمن وهي كارهة له، فتقول: خذ ما دفعت في مهري واتركني أذهب إلى أهلي. هذا هو شرع الله وقانونه العادل الرحيم، الذي لا يتنافى مع الفطر السليمة والأخلاق الرفيعة والآداب السامية، وهذا التشريع لا يقوى عليه بشر كائناً من كان، بل هذا تنزيل العزيز الحميد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088470130

    عدد مرات الحفظ

    776902834