إسلام ويب

نداءات الرحمن لأهل الإيمان 48للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الاستجابة لله ورسوله في الأمر والنهي هي ما يخول العبد الوصول إلى الكمال والسعادة في الدنيا والآخرة، فالله عز وجل ورسوله لا يأمران العبد إلا بما يصلحه، ولا ينهيانه إلا عما يضره ويخسره، والإعراض عن أوامر الله ورسوله سبب لفتح باب فتن عظيمة من الشر والفساد، لا يصيب الظالمين والمعرضين خاصة، وإنما يعم الأرض عياذاً بالله.
    الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان. سائلين الله تعالى أن يجعلنا منهم، وأن يحشرنا في زمرتهم، وأن يرضي عنا كما رضي عنهم. اللهم آمين.

    والنداء الخامس والأربعون الذي كان يوم أمس بقيت فيه بقية، وقد وعدناكم أن نتلوها عليكم، وأن نسمعها جميعاً، لكن قبلها نعيد ذلك النداء.

    أعوذ بالله الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:20-23]. وقد عرفنا أن مولانا وسيدنا وربنا وإلهنا نادانا بعنوان الإيمان؛ لأن المؤمنين أحياء يسمعون ويعقلون، وإذا أمروا فعلوا، وإذا نهوا تركوا؛ لكمال حياتهم، فأمرنا بطاعته وطاعة رسوله، فإذا أمرك يا عبد الله! مولاك بأمر فاجتهد في تنفيذه وإن كان ما كان، وإذا نهاك عن فعل شيء فاجتنبه طاعة لله، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك فامتثل الأمر، وإذا نهاك فاجتنب النهي، واحذر أن تسمع أمر الله أو أمر رسوله أو نهي الله أو نهي رسوله ثم تتولى عنه وكأنك لا تسمع.

    ثانياً: لا تأتسِ بالمنافقين والمشركين والكافرين الذين يقولون: سمعنا ما تقول وما تدعو إليه، وهم لا يسمعون بقلوبهم؛ لأنهم غير عازمين على فعل الأمر وعلى ترك النهي، كما قال تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ [الأنفال:21]. وقد كانوا متواجدين في المدينة.

    ثم علمنا أن شر الخلق وشر الدواب -وكل ما دب على الأرض فهو دابة- شرهم الصم البكم الذين لا يعقلون، والأصم لا يسمع، وهو هنا أي: لا يسمع نداء لله ورسوله، ولا يسمع أمراً أو نهياً لله ورسوله، والبكم أي: لا ينطقون بكلمة الهدى والخير أبداً. فهم لا يعقلون ولا يفقهون ولا يفهمون؛ لأن محطة التلقي والإرسال خربة، فقد خربوها بالشرك والمعاصي، وأصبح ذاك الجهاز في صاحبنا لا يتمكن من أن يعقل ويفهم ما يقال له، أو يؤمر به أو ينهى عنه.

    ثم عرفنا حقيقة، وهي أن الله عز وجل لما خلق الأرواح، وعرف الروح التي إذا أمرت تستجيب وإذا نهيت تستجيب، فقد عرفها أزلاً، ولما عرف منها ما تريده وتطلبه وتريد أن تعيش عليه كتب ذلك في كتاب المقادير، فيكتب فلاناً شقياً، وفلاناً سعيداً، ثم لما يحين وقت خروج وظهور الروح التي لا تستجيب فإنها لا تقبل موعظة، ولا تسمع ولا تستجيب، بل تسخر وتضحك وتحارب الرسل، وتحارب دعوة الله وأولياء الله. وهذا دلّ عليه قوله: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ [الأنفال:23]، أي: لجعلهم يسمعون نداء الله رسوله، ولكن علم أنه لا خير فيهم، فقد علم هذا أزلاً، وعرف أن هذه الروح تعرض عليها هداية الله فترفضها، وأنها تدعى إلى الله فتكفر، فكتب ذلك، ولكن لها إرادة وحرية، ولا تفهم أن الله يكره عبداً على الكفر أو على الإيمان؛ لأن الدار دار امتحان، ولو كان هناك إكراه لم يكن هناك كلام، ولكن هذا اختيار العبد، فلهذا المكره على المعصية لا يؤاخذ بها، ولا يكتب عليه شيء. ولا ننسى المثل الذي فتح الله به علينا لهذه الحقيقة، وهو: أن الفلاح الذي في أحد كفيه بذر حنظل وفي كفه الآخر بذر حبحب قبل أن يبذر وقبل أن يسقي وقبل أن يأخذ الفائدة يعرف أن هذه تنتج حنظلاً مراً قاتلاً، وهذه تثمر حبحب صالحاً نافعاً قبل الوجود. وهذا المثال يقرب المعنى الذي عرفتم. فالشقي من شقي في كتاب المقادير، والسعيد من سعد فيها، أي: من كتب الله شقاوته وسعادته، وكل الذي يقع هو حسب نظام الله في خلقه، فهو يبعث الرسل، وينزل الكتب، ويوجد دعاة يأمرون وينهون، والروح التي كانت متأهلة في الملكوت الأعلى سرعان ما تعود إلى الله وتستجيب لندائه، والتي عرف الله شقاوتها وأنها لا ترغب في الهداية ولا النور أبداً كتب عليها ذلك، وقال: وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:23]. آمنت بالله.

    قال: [ أما قوله تعالى في الآية الثالثة من آيات هذا النداء الخامس والأربعون: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ [الأنفال:23] ] فهو عازم أن لا يعود [ إن هذا من باب الفرض والتقدير؛ إذ سبق علم الله تعالى بهم في أنهم لا يسمعون؛ إيثاراً منهم للكفر على الإيمان، والفسق على الطاعة، والضلال على الهدى. لذا لو أسمعهم - أي: لو جعلهم يسمعون- آيات الله كما يسمعها المؤمنون الموحدون، ويعرفون ما تدعو إليه من الهدى، وما تحمله من بشارة للمؤمنين، ونذارة للكافرين والمنافقين والمشركين لتولوا وهم معرضون والعياذ بالله تعالى.

    وسر هذا الإعراض بعد السماع هو: أن سنة الله تعالى في الإنسان أنه إذا توغل في الشر والفساد والظلم والخبث يصبح غير قابل للخير والإصلاح والعدل والطهر، فقد تدعوه ويسمع منك ما تدعوه إليه، وقد تبشره ويسمع منك البشارة وسببها، وقد تنذره ] أيضاً [ فيفهم عنك النذارة وما أنذرته منه، ولكن لتوغله في ظلمة الشر والفساد والخبث والشر يجد نفسه مصروفاً تمام الصرف عما تدعوه إليه.

    فلذا حذر الكتاب والسنة من تأخير التوبة، وأمر باستعجالها؛ مخافة أن العبد إذا استمر في المعصية زمناً تصبح طبعاً له من طباعه، وخلقاً ثابتاً له، فلا يقدر على تركها، فيهلك بها والعياذ بالله تعالى ] والآن وقف إلى جنبي أحد الصالحين وقال: إن عبداً من عباد الله توغل في شرب الحشيشة، وهو يبكي؛ لأنه لم يستطع أن يتركها، فادع الله له. اللهم طهره، اللهم زكه، اللهم نجه، اللهم أبعده من هذه الفتنة يا رب العالمين! اللهم يا مغير الطباع! وطابع الطباع! غير طبعه الفاسد إلى طبع صالح؛ حتى يصبح يكره هذا الخبث، ويلعنه ويلعن أهله. اللهم آمين.

    وهنا بشرى: أحد الصالحين الذي ضاع منه شيء وقال: ادع الله لنا جاءني الآن ووجه متهلل بالبشر، وقال: لقد رد الله عليّ ضائعتي، ووالله ما وسعني إلا البكاء. فالحمد لله.

    قال: [ هذا وأخيراً: لنعلم أن الله في هذا النداء أعلمنا بما يلي ] فهذه هي الخلاصة:

    [ أولاً: وجوب طاعة الله ورسوله ] فلو قال لك الله: عبدي! لا تأكل فلا تأكل، ولو قال لك: عبدي لا تشرب فلا تشرب؛ لأنه سيدك ومولاك. ووالله لا يأمرك ولا ينهاك إلا من أجل إكمالك وإسعادك، فلا تتردد إذاً، واصبر على طاعته وطاعة رسوله.

    [ ثانياً: حرمة التشبه بالمشركين والكافرين ] واجتهد أن تكون لك صورتك الإيمانية. فلابد من مخالفة. وقلنا: حتى الفساق والفجار من المؤمنين يجب أن لا نتشبه بهم، فضلاً عن الكافرين والمنافقين، لا في المنطق ولا في السلوك ولا في الحركة ولا في المشية ولا في الوقوف، بل تميز دائماً، فأنت ولي الله، وهو عدو الله. وقد عرفتم القاعدة -وهي تساوي مليار دولار- وهي: ( من تشبه بقوم فهو منهم ). ولو يجتمع أهل الأرض على أن ينقضوا هذه والله ما استطاعوا نقضها، ومستحيل أن ينقضوها، فهذا قول رسول الله، وهاتوا شخصاً تشبه بقوم ثم لو يكن منهم، بل الذي يتشبه بزان مجرم لن يلبث أن يكون مثله، ومن تشبه بمشرك ضال فلن لا يكون إلا مثله، وكذلك من تشبه بأي شخص، ومن تشبه بالصالحين لن يمسي إلا منهم. والرسول يتكلم عن سنن الله. فإذا رغبت في الشر وأصبحت تتناوله وتتعاطه وتفرح أن تكون مثل أهله فستكون مثل أهله.

    [ ثالثاً: أن من الناس من هم شر من الكلاب والقردة والخنازير؛ وذلك لتوغلهم في الشر والفساد والخبث والظلم، ويؤيد هذا قوله تعالى ] من سورة البينة: [ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، أي: الخليقة ] والذي قال هذا الله جل جلاله. فهم شر الخليقة، ويدخل في الخليقة الكلاب والحيات والقردة والخنازير والسباع والضباع، فكل هذه خليقة. وشر الخليقة أهل الكفر والشرك بالله، وقد بينت لكم وجه كونهم شر الخليقة، فالضبع والسبع والقرد والخنزير لم يأمرهم الله وعصوه، بل هم يعيشون حسب ما كتبه الله لهم وقدره عليهم، والآدمي العاقل العارف الفاهم الذي يخلقه الخالق ويرزقه الرازق، ويكلؤه ويحفظه، ويعلمه أنه خلق كل شيء من أجله، ولم يطلب منه سوى أن يذكر ويشكر فإنه يكفر بالله، فلا يذكر ولا يشكر، فهو شر الخلق. والذي لا يقبل هذا ولا يستسيغه ما آمن بالله، فليراجع إيمانه؛ إذ أن الذي أخبر بهذا ليس هو علي بن أبي طالب ولا أبو بكر الصديق ولا الإمام أحمد ، بل هذا كلام الله، فقد قال: أُوْلَئِكَ [البينة:6] لا سواهم هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]. وإنما فقط ادرس القضية وستعرف السبب، فهو الذي خلقك ورزقك وكرمك وأعطاك، وخلق العوالم كلها من أجلك حتى الجنة والنار، وطلب منك أن تعتقد وتقول وتعمل من أجل تطهير نفسك وتزكية روحك؛ من أجل أن يرضى عنك، وينزلك بجواره، ثم تطيع الشياطين والخبيثين والمجرمين، وتعصيه وتتحداه. فإذا فعلت هذا فأنت شر الخلق إذاً.

    وأخيراً: [ ألا ] وهي بمعنى: ألو، وألو هذه أصبحت شائعة ذائعة، يتلذذ بها حتى النساء، وألا الربانية مهجورة لا نعرفها، وقد قال الله: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]. وهؤلاء الأولياء يا عباد الله! ليسوا سيدي عبد القادر ولا البدوي ولا العيدروس ، فهذه خرافات، بل أولياء الله الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]. فهم طول حياتهم يتقون ما يسخط الله عليهم ويغضبه، وذلك بامتثال أمره واجتناب نهيه، فهم في مجاهدة للنفس والهوى والدنيا حتى يلفظوا أنفاسهم الأخيرة. أولئك هم أولياء الله. اللهم اجعلنا منهم.

    قال: [ فلنذكر هذا، ولنعمل على طاعة الله ورسوله، ولا نُصِر على معصيتهما ساعة فضلاً عن يوم أو أسبوع أو شهر أو عام؛ حتى لا نصبح من شر الدواب. والعياذ بالله العزيز الحكيم.

    وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين ] هذا نداء أمس.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088526815

    عدد مرات الحفظ

    777137909