إسلام ويب

نداءات الرحمن لأهل الإيمان 64للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أحكام الطلاق التي قررها الإسلام أن من طلق امرأته التي عقد عليها عقداً شرعياً قبل أن يخلو بها ليس له أن يطالبها بعدة؛ لا بالأقراء ولا بالأشهر، ولهذه المرأة أن تتزوج بعد طلاقها مباشرة ولا حرج عليها، وبمقابل ذلك ليس لها على الزوج أي حقوق مالية إلا نصف ما سمي لها من المهر.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان. اللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وارض عنا كما رضيت عنهم. آمين.

    سبق أن درسنا أمس النداء الواحد والستين، وها أنتم به على علم، وهذا النداء أيها الأذكياء النبلاء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا [الأحزاب:41-44]. وما دمنا بهذا الجفاء وعدم ذكر الماضي فنشير إلى هذا النداء؛ لما فيه من الفوائد العظمى، فقد ناداكم الله بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الأحزاب:41]! أي: يا من آمنتم بالله رباً، وبالإسلام ديناً وشرعاً، وبمحمد نبياً ورسولاً، ويا أيها الأحياء! إذ أنتم الأحياء وغيركم ميت، وقد علمنا أن المؤمن حي والكافر ميت.

    وقد ناداكم ليأمركم بذكره فقد قال: اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا [الأحزاب:41]. وذلك لأن الذكر يزيد في طاقة إيمانكم، ولأن الذكر يكون عصمة لكم وحفظاً من أن تتلوثوا وتتلطخوا بأوزار الذنوب والآثام. وقد علمنا أن الذي يذكر الله بقلبه ولسانه معاً هو في عصمة إلهية، فهو لا يستطيع أن يخرج عن طاعة الله، ولا أن بترك واجباً، ولا بفعل حراماً ما دام مع الله؛ لأن الذاكر بقلبه ولسانه مع الله، والذي هو مع الله لا يجرؤ على أن يعصيه، وقد قال تعالى: ( أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه ). فمن أراد ألا يفجر وألا يسرق ألا يكذب وألا يغش وألا يخدع فعليه بذكر الله بقلبه ولسانه.

    وقد قلت لكم مئات المرات: نتحدى من يقول: إني أذكر الله بقلبي ولساني ثم في تلك الحال أعصيه، حتى ولو بنظرة متعمدة إلى محرم من محارم الناس، فضلاً أن يمد يده ليقتل أو يضرب، أو يسرق وينهب. فالحصن الحصين هو ذكر الله، ولما غفلنا عن ذكر الله هبطنا، واستولت علينا الأهواء والدنيا والشياطين، وأصبحنا كما يعلم ربنا بحالنا.

    اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا [الأحزاب:41]. وأقل ما تقولونه في هذا العدد: إنه ثلاثمائة مرة، فأقل الكثرة ثلاثمائة، والحقيقة كما علمتم أن نذكر الله الليل والنهار، إلا إذا دخلنا الحش والمراحيض فإننا نمتنع من ذكر الله؛ لأنه ممنوع أو يمنع في تلك الحال. وقبل أن ننام نذكر الله وبعد أن نستيقظ على الفور نذكر، ثم لا نزال في ذكر الله حتى نعود إلى فرشنا، كالملائكة، فالملائكة يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء:20].

    ولا تنظر إلى أهل الغفلة الذين يجلسون المجالس ولا يذكرون فيها الله، فهي ترة عليهم وحسرة إلى يوم القيامة، بل جالس الصالحين واذكر الله، ولا تنسى الله عز وجل، فـ ( خيركم من إذا رئي ذكر الله ). فخيرنا عبد لا نراه حتى نذكر الله عز وجل.

    وهذا عيسى ابن مريم ابن البتول صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم يقول للحواريين: اذكروا الله، ولا تتركوا ذكر الله فتقسو قلوبكم، وإن أبعد الناس عن الله ذو قساوة القلب.

    ثم قال تعالى: وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:42]. وقد عرفتم أننا نسبح الله في الصباح والمساء بوردين هما أحلى من العسل، وأعذب من ماء الفرات، الورد الأول: سبحان الله وبحمده مائة مرة، والورد الثاني: سبحان الله وبحمده. وهما أحلى من الحلوى والعسل في الصباح والمساء.

    وقوله: وَسَبِّحُوهُ [الأحزاب:42] أي: قدسوه ونزهوه بكلمة سبحان الله بكرة وأصيلاً. والبكرة تبتدئ من طلوع الفجر، وتنتهي إلى الضحى، والأصيل: من زوال الشمس إلى غروب الشمس.

    وقد ورد الورد العظيم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير مائة مرة، والجزاء على هذا كأنما عتقت عشر رقاب، فلك عدل عشر رقاب، والرقبة قد تكون بمئة ألف ريال اليوم.

    وليس هذا فقط، بل ويرفع لك مائة درجة، ويحط عنك مائة خطيئة، وتظل طول يومك في حرز من الشيطان، فلا يقوى على أن يذلك، أو يثقلك بالذنوب والآثام، ولا يأتي أحد بمثل ما تأتي به من الأجر إلا من قال مثلك وزاد. فلا تترك هذا الورد، وقد قلنا لكم: على سائق السيارة أن يقوله، وعلى صاحب المسحاة في البستان وهو يضرب أن يقوله، ولا يتركه أحد إلا من استولى الشيطان على قلبه.

    وهناك جوائز أخرى عظيمة، وهي صلاة الله تعالى علينا وملائكته، أي: رب العالمين ورب السماوات والأرضين ورب كل شيء ومليكه هو الذي يصلي عليك أنت يا عبد الله! وأنت لو يموت أخوك لا تصلي عليه! والله يصلي علينا، وتصلي علينا ملائكته أيضاً. وكل هذا الشأن والقيمة لأننا آمنا به تعالى رباً وإلهاً، وأخلصنا له القلوب والوجوه، وأننا عرفناه ولم نعرف سواه، فأكرمنا بهذه الكرامة، وهي أنه يصلي علينا، وملائكته يصلون علينا.

    والله لا يصلي علينا بصلاة فيها ركوع وسجود، وإنما يثني علينا بخير في الملكوت الأعلى، ويرحمنا. وها نحن الآن نذكر في الملكوت الأعلى، والحمد لله! فقد قال أبو القاسم فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم ) كحالنا ( إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة ) المقربين ( وذكرهم الله فيمن عنده ). والحمد لله!

    والمسلمون لم يعرفوا هذا، ولذلك فهم لا يجتمعون في بيوت ربهم يتلون كتاب مولاهم، ويتدارسونه بينهم؛ ليكملوا ويسعدوا، وليسموا ويرتفعوا، وإنما يجتمعون في المقاهي والملاهي، ومجالس الباطل على الطابع العام في عالمنا الإسلامي. والذي طردنا من بيوت الله وحرمنا منها هو العدو إبليس.

    وإذا أردتم كلمة صدق - وهي مكررة-: لن نعود إلى ما كان عليه أهل القرون الذهبية الثلاثة إلا إذا عدنا إلى بيوت الرب بنسائنا وأطفالنا، فنتلقى من صلاة المغرب إلى العشاء الكتاب والحكمة ونزكي أنفسنا، ولا يكلفنا هذا ديناراً ولا درهماً. واليهود والنصارى والمجوس والمشركون إذ غابت الشمس ودقت الساعة الثالثة أوقفوا دولاب العمل، وأوقفوا المصانع والمتاجر، وأوقفوا كل شيء، وذهبوا إلى الشيطان، وإلى دور الغناء والمقاهي والفجور والمراقص، ونحن ضائعون، لا نعرف إلى أين نذهب، فيجب أن نذهب إلى بيوت ربنا، وليس في هذا عيب ولا انتقاص، فاذهب يا عبد الله! إلى بيت ربك، ومعك زوجتك وأولادك، تستمطر رحماته، وتطلب ألطافه وإحسانه في بيته، ولن يقول أحد: هذا باطل ومنكر، ثم نتعلم الكتاب والحكمة، ولا نلبث إلا قليلاً حتى نكون علماء ربانيين، لو رفعنا أيدينا إلى الله ما ردها أبداً صفراً وخائبة، ولكن:

    واحر قلباه من قلبه شبم

    وهكذا ضعنا من حيث لا ندري.

    وصلاة الملائكة علينا: أنهم يستغفرون لنا. وهذه صلاة الملائكة علينا.

    خلاصة هذا النداء وقد انتهينا إليها:

    [ أولاً: وجوب ذكر الله تعالى بالقلب واللسان ليلاً ونهاراً وفي كل الأوقات، إلا في حال دخول المرحاض لقضاء الحاجة ] وأنا لا أوجب عليكم ما لم يوجبه الله، وإنما قلت بوجوب هذا لأن الله قال في ندائه من سورة الأحزاب المدنية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الأحزاب:41]. فلنقل: لبيك اللهم لبيك! مر تُطَع، وانه ننته، ومر نفعل، اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:41-42]. فهذا أمر، فهو واجب.

    واسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر كمثل الحي والميت ). والله العظيم. والميت لا يذكر، وإنما الحي هو الذي يذكر.

    ولا ننسى الحديث الذي درسناه في هذا النداء، وهو: ( هل أدلكم على أفضل أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وخير لكم من أن تنفقوا الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: دلنا يا رسول الله! قال: ذكر الله ). والرسول حكيم، فهو يحول طاقاتنا كلها إلى ذكر الله، ووالله لو ذكرنا الله لما عصيناه، ولما بقي واجب متروكاً، ولا محرم مغشياً ولا مرتكباً، ولا ستقامت بالحياة بكاملها.

    [ ثانياً: بيان فضل المؤمنين المتقين ] أهل الإيمان والتقوى؛ وذلك [ إذ الرحمن ] جل جلاله [ يصلي عليهم وملائكته كذلك ] يصلون عليهم.

    [ ثالثاً: التذكير بالبعث الآخر، وهو معتقد أهل الإيمان؛ إذ قال تعالى: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ [الأحزاب:44] ] وقد عرفنا أن ملك الموت - وعما قريب سنشاهد ذلك- إذا دخل علينا ونحن على سرير الموت يبدؤنا بقوله: السلام عليكم، والله العظيم، ثم لما يأخذ الروح يسلم عليها، ثم يعرج بها، ثم تنتهي إلى العرش، وتحيي ربها بتلك التحية التي نحيي بها ولا نفهم معناها، وعندما نسلم من الصلاة نقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، مع أننا لم نكن في معصية حتى نستغفر الله، بل كنا في عبادة، ولكننا لم نحسن الوقوف بين يدي الله، ولم نتأدب مع الله، فقد كان من حقنا أن ترتعد فرائصنا، وأن تسيل دموعنا، وأن ننسى كل شيء ونحن بين يدي ذي الجلال والإكرام. وليتخيل أحدنا وقفته لو وقف بين يدي بوليس، فهو لا يقف هكذا بين يدي رب العالمين، بل يتركه ينظر إليه ويذهب إلى القدر ينظر ماذا طبخوا به، وينظر إلى أبطل الأشياء، وهذا الحال لا يليق بنا. ولهذا بمجرد أن تسلم تقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله. فتبينوا هذا. وقد كان الحبيب صلى الله عليه وسلم إذا انفصل من صلاته قال: السلام عليكم، ثم أول ما يقول: (أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله )؛ لأنه يخشى أن لا يكون تأدب مع الله، و( الله عز وجل ينصب وجهه لعبده في الصلاة).

    ثم نقول بعد الاستغفار: (اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام!).

    وهذه التحية -أي: السلام عليكم- نحيي بها ربنا عندما تعرج روحنا إلى الملكوت الأعلى، وقد قصصت عليكم القصة هذه: ذكر شيخ الإسلام ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى عن شيخه ابن تيمية رحمة الله عليه، يقول: كانت لي خالة -أخت أم- ومرضت فذهبت لأزورها، فسلمت عليها ودعوت الله لها، وهممت أن أقوم، فقالت لي: يا شيخ! أنا مقبلة على ربي، فإذا وقفت بين يديه فماذا أقول؟ قال: فارتج علي، ولم أعرف ما أقول، قال: ثم ألهمني ربي، فقلت لها: إذا وقفت بين يديه فقولي: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام! قال: وخرجت وبلغني أنها توفيت، وماتت رحمة الله عليها، ورأيتها في المنام فقالت لي: يا شيخ! جزاك الله عني خيراً، لقد وقفت بين يدي ربي وارتج علي ولم أعرف ما أقول، فذكرت ما قلت لي، فقلت: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام!

    قال: [ ولقاء الله يكون يوم القيامة لقاء كاملاً تاماً ].

    ولنذكر قوله تعالى: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58]. وهذا حتى لا يبقى شك لأن تقول: السلام بمعنى: الأمان، أو بمعنى: الإنعام والرحمة، بل هو قولاً، فيزيل الحجاب عن وجهه، ويريهم وجهه الكريم، ويسلم عليهم. وهذه اشترها بجسمك وروحك وكل ما تملك، ولو فتح الله باب الجهاد، وقام إمام المسلمين يدعو فليتمنى أحدنا أن يموت كل يوم ويعود، وليس هناك أفضل من هذا، فالرحمن جل جلاله يزيل الحجاب عن وجهه، وينظر إليهم فتغمرهم غمرة من الفرح لم يعرفوا طعماً ألذ منها ولا أطيب، ويسلم عليهم: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:58].

    [ رابعاً: بشرى المؤمنين المتقين بالجنة؛ إذ قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ [فصلت:30] ] عند الاحتضار عند الموت، قائلين لهم: [ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30] ] والحمد لله [ اللهم اجعلنا من أهل الإيمان والتقوى والبشرى في الدنيا والآخرة. وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين ].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088515486

    عدد مرات الحفظ

    777061333