إسلام ويب

تفسير سورة الرعد (5)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ثبت في السنة أن الدعاء هو العبادة، ولهذا كان الله وحده هو المستحق لهذه العبادة دون غيره، ويكفي بياناً لهذا أن من يُدعون من دون الله لا يستجيبون بشيء، والسبب أن هذه الآلهة لا تملك نفعاً ولا ضراً، ومع وضوح هذه الحقيقة تجد المشركين يصرون على عبادة آلهتهم والاستغاثة بها، وكأنهم لا يبصرون؛ ولهذا شبه الله المسلم والمشرك بالأعمى والبصير، لكن العمى هنا قابل للشفاء بشيء من التفكر.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، وها نحن اليوم مع هذه الآيات الثلاث، فهيا بنا نصغِ مستمعين تلاوتها مجودة مرتلة ثم نتدارسها، مع التنبيه بأن الآيات فيها سجدة وبجلوسكم لا يتأتى لكم السجود، فإذا لم يسجد القارئ لا تسجدوا. هذه قاعدة عامة، فالمستمع يسجد إذا سجد القارئ، فإذا سجد القارئ اسجد، فها أنت تسمع في الإذاعة التلاوة وتأتي السجدة ولا تسجد؛ لأن الإمام والقارئ إذا قال: الله أكبر وسجد تعين عليك، فلما لم يسجد لا تسجد، وليس السجود واجباً، بل هو مستحب من فضائل الأعمال.

    لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ * وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [الرعد:14-16]. ‏

    معنى قوله تعالى: (له دعوة الحق)

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ [الرعد:14] من هو هذا الذي له دعوة الحق؟

    إنه الله ربنا ورب العالمين، له خاصة، وتقديم الجار والمجرور يفيد الحصر، أي: له خاصة دعوة الحق سبحانه.

    ما المراد من دعوة الحق؟

    الدعاء، فلا يستحق أحد أو كائن من كان أن يدعى إلا الله، فالدعوة الحق الواجبة الثابتة لله، أما دعوة غير الله فباطلة باطلة باطلة، كذب وافتراء، وليس لها من الحق شيء، فدعوة الحق له سبحانه خاصة.

    معنى قوله تعالى: (والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء)

    قوله: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ [الرعد:14] والذين يدعون دون الله، يدعون الملائكة، الأنبياء، الأولياء، يدعون الأشجار، الأحجار، التماثيل، الأصنام، الرجال، النساء، كل مدعو دون الله لا يستجيب لداعيه شيئاً والله العظيم.

    تعال وقف على قبر فاطمة أو علي وادع وارفع صوتك، فهل تمتد إليك أيديهم بالطعام أو بالمال؟ هل يستجيبون لك؟!

    ارفع صوتك: يا عبد القادر ، يا راكب الحمراء! كذا علموهم: يا راعي الحمراء! يا مولى بغداد، والله لا يستجيبون لك؛ لا بالكلام، ولا بالفعل.

    وهذا إخبار مَن؟ إخبار الله تعالى إذ يقول: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ [الرعد:14] أي: من دون الله لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ [الرعد:14] وإن قلّ، وإن صغر، وإن كان كلمة أو أقل من الكلمة.

    معنى قوله تعالى: (إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه)

    ثم قال: إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ [الرعد:14] هذا مثل عجيب ضربه الله عز وجل؛ لتعرف نتيجة الداعي غير الله وأنها باطلة، وليس يناله شيء، ولا يفوز بشيء، مثال لهذه الحقيقة بأنه كالعطشان يقف على حافة البئر، والماء بعيد في قعر البئر، ويمد يديه ويبسطهما، هل يحصل على الماء؟ يريد ماء ليبلغ فمه، وما هو ببالغه.

    هذا الذي يدعو غير الله، ولو دعا الأنبياء والمرسلين والملائكة والمقربين فضلاً عن الأموات والقباب والأحجار، ما هو إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ الماء فمه، وما هو ببالغه.

    معنى قوله تعالى: (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال)

    وأخيراً: وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ [الرعد:14].كأنما يقول: كل مشرك كافر. ما قال: وما دعاء المشركين، قال: الكافرين، دعاء الكافرين في ضلال، لا يستجاب لهم، ولا يعطون أبداً ما طلبوا، ولا يكرمون، ولا يعزون أبداً؛ لأنهم عادوا ربهم، ووالوا غيره، عادوا خالقهم ورازقهم، خالق الكون كله من أجلهم، والتفتوا إلى الأصنام، والأحجار، والعباد يدعونهم.

    إذاً: إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ [الرعد:14] هذا مثل لمن يدعو غير الله؛ ليستجيب له ويقضي حاجته، فإذا وجد عقيم يريد ولداً! فقير يريد مالاً! عزيز يريد وظيفة ويأخذ في دعاء الصالحين والأنبياء، فاضرب له مثلاً في حرمانه، وعدم الحصول على شيء بمن عطش أو ظمئ ووجد الماء في البئر، وما استطاع أن يدخل له ولا يخرجه فدلى كفيه من أجل أن يصل الماء إلى فيه وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ [الرعد:14].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088543474

    عدد مرات الحفظ

    777231490