إسلام ويب

تفسير سورة البقرة (132)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن أكل الربا سبب للخسارة في الدنيا والآخرة، ومؤذن بحرب الله عز وجل، وقد مثل الله عز وجل آكل الربا بالذي يمسه الشيطان فيظل يتخبط بسبب هذا المس، وهذا هو حال المرابي حين يقوم من قبره، وذلك أنه كان في الدنيا يزعم أن الربا إنما هو نوع من أنواع البيوع المباحة، والتي يجوز للتاجر أن يتحصل منها على ربح معلوم كسائر السلع، وللشر والفساد المترتب على تعاطي الربا فإن الله عز وجل وعد صاحبه بالمحق في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون.. ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الثلاثاء من يوم الإثنين المبارك- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) اللهم حقق لنا هذا المأمول يا رب العالمين.

    وها نحن مع هذه الآيات الثلاث، وقبلها نذكر هداية الآيات السابقة.

    هداية الآيات

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: جواز التصدق على الكافر المحتاج بصدقة التطوع لا الزكاة، فإنها حق المؤمنين ]، من أين أخذنا هذه الهداية؟

    من قوله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272]، إذاً: يجوز أن نتصدق على اليهودي والمسيحي والمشرك والبوذي إذا كان فقيراً ونحن أغنياء وهو يعيش بيننا، وهل يجوز أن نعطيهم من الزكاة؟ لا، فهذا خاص بصدقة التطوع، أما الصدقة الواجبة كنذر نذرته للفقراء والمساكين فللمؤمنين، والزكاة، وزكاة الفطر، وإنما الصدقة المطلقة، ومن لامك أو عتب عليك وتعنتر، وقال: هذا يهودي فكيف تعطيه؟ فقل له: إن ربي تعالى قال لنا: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [البقرة:272].

    [ ثانياً: ثواب الصدقة عائد على المتصدق لا على المتصدَّق عليه ]، وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ [البقرة:272]، فلا تبال إذا أعطيت لغني أو فقير كافر أو مؤمن؛ لأنها عائدة عليك أنت لا عليه هو، وفي هذا تشجيع على الصدقات المطلقة.

    [ ثالثاً: وجوب الإخلاص في الصدقة، أي: يجب أن يراد بها وجه الله تعالى لا غيره ]؛ لقوله تعالى: وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ [البقرة:272]، إياك أن تنفق قليلاً أو كثيراً وأنت تريد فلاناً يراك أو يسمع بك، أو تريد فلاناً يشكرك أو يثني عليك، أو لتروج سلعك وبضائعك كما يفعل الجاهلون، لا يقبل الله صدقة إلا إذا أريد بها وجهه هو تملقاً إليه وتزلفاً، تقرباً إليه وتحبباً، إذ لا إله إلا الله.

    [ رابعاً: تفاضل أجر الصدقة بحسب فضل وحاجة المتصدَّق عليه ]، أجر الصدقة يتفاوت، فكونها على ولي من أولياء الله وعبد من عباد الله الصالحين أفضل منها على صعلوك، هذا الواقع.

    فمؤمن رباني عفيف لا يسأل، فتعطيه هذه الصدقة، فأجرها أعظم من أجرها على شخص آخر ليس من أهل الفضل، وكذلك حاجة المتصدَّق عليه، هذا من ثلاثة أيام ما أكل شيئاً، وهذا تغدى اليوم وقال: أعطني، فعلى الذي ما أكل من ثلاثة أيام أفضل، الصدقة مقبولة والأجر عظيم، لكن تتفاوت الأجور بحسب الحاجة، وفقيران كافر ومؤمن تصدقت عليهما، أيها أعظم أجراً؟ الصدقة على المؤمن أعظم، هذا يعبد الله وهذا كافر به.

    [ خامساً: فضيلة التعفف ] وما هو التعفف؟ عفّ: كف، تعفف: طلب ذلك؛ لأن الله قال: لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273] ولا إلحاحاً ولا إحفاء، أحفى في الطلب: أكثر، ألحى: كرر، ألحف: يصبح كاللحاف يدور بك، يأتيك من اليمين ويأتيك من الشمال، تلقاه أمامك، وتلتفت فإذا هو وراءك، كاللحاف يدور بالإنسان: لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا [البقرة:273]، ولا إلحاحاً.

    [ سادساً: جواز التصدق بالليل والنهار وفي السر والعلن؛ إذ الكل يثيب الله تعالى عليه ما دام قد أريد به وجهه لا وجه سواه ].

    وقد علمتم زادكم الله علماً أن هذه فاز بها أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب ، تصدق بأربعمائة ريال في النهار، وتصدق بأربعمائة في الليل، وتصدق بأربعمائة أمام الناس، وتصدق بأربعمائة خفية، ولستم أمام فقراء في حاجة إلى أربعمائة من الواحد، بل ريال في النهار، ريال في الليل، ريال أمام الناس، ريال في الخفاء فتفوز بهذا، ومن طلب وجد.

    ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية، لا يمنعه النهار ولا الليل ولا حضور الناس ولا غيابهم، المهم: أن يتطلب الموقف الصدقة، هذه خلاصة ثلاث آيات شربنا عسلها بالأمس والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088562338

    عدد مرات الحفظ

    777345148