إسلام ويب

تفسير سورة الحجر (5)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يبين الله عظيم قدرته بذكر خلقه لآدم عليه السلام، وأنه خلقه في أطوار، ومنها جعله صلصالاً من حمأ مسنون، وقبل ذلك خلقه لإبليس من نار تنفذ إلى مسام العروق، ثم ساق الله حواره مع ملائكته، وكيف استجابوا لأمره بالسجود لآدم احتراماً وإجلالاً، إلا ذاك اللعين إبليس، فإنه أبى ولم يستجب لأمر الله حسداً وكبراً، وحينما استفهمه الله عن عدم سجوده، أظهر المكنون في نفسه وعلل لقباحة فعله بأجوبة سقيمة وأقيسة فاسدة.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألف ألفٍ وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، وها نحن ما زلنا مع آيات سورة الحجر.

    قال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ * وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر:26-33].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر:26] يعلمنا ربنا أصل النشأة البشرية.

    أين تجد هذا العلم في غير القرآن؟

    هذا القرآن الذي حجبونا عنه وحولوه إلى المقابر والأموات حتى نبقى كالبهائم لا نعرف شيئاً، فهيا نتدارس آية فقط لتقرر لنا مبدأ لا إله إلا الله، محمد رسول الله، وأن هذه الدار فانية، وأن الآخرة باقية، وأن الكسب يجزى به صاحبه هناك، ومن حلت هذه العقيدة في قلبه حيي فلا يتلوث ولا يتوسخ ولا يتلطخ بالأوساخ والذنوب والآثام.

    يقول الجبار جل جلاله وعظم سلطانه: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ [الحجر:26] يعني: آدم أبا البشر عليه السلام.

    مِنْ صَلْصَالٍ [الحجر:26]، الحجر إذا يبس وكان طيناً يصبح له صوت صلصل، وذلك بأن الله أمر ملائكته فجمعوا من تراب الأرض.. من سهلها وجبالها ووعورها، أبيضها وأسودها، ويدلك لذلك ألوان البشر، هذا أبيض وهذا أصفر، هذا أحمر وهذا أسود، من طينة جمعت.

    ذلك التراب الذي جمع بل بالماء وبقي كذا يوماً فأنتن وأصبح حمأة، والحمأة طين تمضي عليه الأيام فيتغير إلى لون الحمأة، يقال فيه: حمأة، بعد ذلك خلق منه الرب عز وجل آدم، فكان آدم مخلوق من طين كالفخار وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ [الحجر:26].

    وبين لنا في سورة الإنسان فقال: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان:1] نعم.

    وضعه أربعين يوماً وهو لا روح فيه ثم نفخ فيه من روحه فاستفاق وقال: الحمد لله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089165788

    عدد مرات الحفظ

    782333255