الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان. اللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وارض عنا كما رضيت عنهم. آمين.
هذا هو [ النداء السابع والستون ] من هذه النداءات البالغ عددها تسعون نداءً، وهي موجهة إلى المؤمنين والمؤمنات، والذي يناديهم هو سيدهم ومولاهم، وربهم وإلههم، وهو الله الذي لا إله إلا هو ولا رب سواه، وقد ناداهم بهذه النداءات في كتابه العزيز القرآن الكريم. وقد ناداهم بعنوان الإيمان؛ لأن المؤمنين أحياء، يسمعون النداء، وهو لم ينادهم لغير غرض، وإنما ناداهم إما ليأمرهم بفعل ما يكملهم ويسعدهم، أو لينهاهم عن فعل ما يشقيهم ويرديهم، أو يناديهم ليبشرهم بنتائج أعمالهم؛ فيزدادوا يقيناً وصلاحاً، أو من أجل أن يحذرهم وينذرهم مما هو وبال وخسارة لهم وعليهم، أو ليعلمهم ما هم في حاجة إلى معرفته. فمن أجل هذه الأغراض السامية يناديهم مولاهم. اللهم لك الحمد على ما أوليت وأنعمت.
ولهذا من غير المعقول ولا المقبول أن يناديك سيدك من أجل هدايتك وإصلاحك فتعرض وتتصامم، ولا تصغي بأذنك وتسمع، فهذا غير معقول ولا مقبول، ولكن غفل المؤمنون والمؤمنات، ولم بعلموا أن الله ناداهم تسعين نداء.
والحمد لله على أن جمعت هذه النداءات في هذه الورقات، وقد اشتملت على علوم، وكل مؤمن محتاج ومفتقر إليها، فهي لم تترك العقيدة ولا الأعمال الصالحة، ولا بيان الحلال والحرام، ولا الآداب ولا الأخلاق، ولا السياسية في الحرب وفي السلم، ولا المعاهدات والحروب، ولا غير ذلك، وكأن القرآن كله نزل فيها، سبحان الله العظيم! ولكن المسلمين عنها غافلون.
وإذا طبع الكتاب وانتشر بين المسلمين فسوف يذكرون هذا إن أراد الله بهم خيراً.
وهذا النداء مضمونه وفحواه ومحتواه والغرض منه هو [ في نصرة الله، وما تثمره ] وتنتجه [ من نصرة ] أو طاعة [ لعباده المؤمنين ] أي: إن نصروا الله نصرهم [ وفي بيان خسران الكافرين وتعاستهم وضلالهم ] في الدنيا والأخرة. هذا مضمون هذا النداء.
وهذا النداء قد تضمن واشتمل على ثلاث آيات من سورة محمد صلى الله عليه وسلم، والمسماة أيضاً بسورة القتال، فلها اسمان صحيحان: القتال، ومحمد صلى الله عليه وسلم.
وهيا نتغنى بهاتين الآيتين، ونفكر ونتأمل ما يقول الله لنا، وما نادانا من أجله، ثم ننتقل إلى الشرح والتفسير والبيان؛ لنعلم ونعمل؛ فنظفر ونفوز ونفلح إن كنا أحياء. ولولا حياتنا لما اجتمعنا في بيت ربنا، ولما أصغينا إلى نداء ربنا، فنحن أحياء، إلا أن حياتنا تتفاوت قوة وضعفاً بحسب ما سبق لنا.
قال: [ الآيات (7 - 9) من سورة محمد صلى الله عليه وسلم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ
[محمد:7-9] ] ومعنى:
فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ
[محمد:9]: أبطلها، فلم تنتج لهم حسنة.
وهيا نستمع إلى شرح هذه الآيات التي تضمنهما النداء السابع والستين من نداءات رب العالمين لعباده المؤمنين.
[ الشرح: اذكر أيها القارئ الكريم! والمتسمع المستفيد! ] لأن هذه النداءات من كان يعرف القراءة يقرأها، ومن كان أمياً لا يقرأ فينبغي -إن كان يؤمن بالله واليوم الآخر- أن يقول لأخيه: يا أخي! أسمعني نداءاً من نداءات ربي، فيقرأ عليه القارئ، وهو يستمع ويستفيد أعظم فائدة، فيستفيد أن يعرف ما أمر الله به، فيفعله؛ فيكمل ويسعد، ويستفيد معرفة ما نهى الله عنه، فيتركه ويبتعد عنه؛ وبذلك تتم ولاية الله له؛ لأن ولاية الله تتم بتقوى الله، وتقواه هي: فعل ما يأمر الله به وترك ما ينهى الله عنه. وقد علمنا هذا، وعرفنا أن أولياء الله هم كل مؤمن تقي.
فعلى هذا القارئ الكريم والمتسمع المستفيد أن يذكرا [ إن نداء الله تعالى لعباده المؤمنين الذين آمنوا بالله رباً وإلهاً، لا إله غيره ولا رب سواه ] أي: لا معبود بحق سوى الله [ وبالإسلام ديناً، لا دين يقبل غيره، وبمحمد نبياً، ولا نبي يأتي بعده، ورسولاً إلى الناس كافة أبيضهم وأصفرهم، ومن عاصروه، ومن يأتي بعدهم إلى يوم القيامة ] هذا معنى محمد رسول الله [ كان ] أي: هذا النداء [ لأجل أن يأمرهم أو ينهاهم، أو يبشرهم أو ينذرهم، وكل ذلك ] والله العظيم [ من أجل إكمالهم في إيمانهم وإسلامهم وإحسانهم، وفي آدابهم وأخلاقهم، و] في [ معارفهم وعلومهم، ولأجل إسعادهم أبداناً وأرواحاً، وحاشاه تعالى أن يناديهم لغير إكمالهم وإسعادهم؛ لأنه ربهم ووليهم، العليم الحكيم، والبر الرحيم ].
نصر الله عز وجل لمن نصره ونصر رسوله صلى الله عليه وسلم
جزاء الكافرين بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم
ضلال أعمال الكفار
قال: [ أما قوله تعالى:
وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ 
[محمد:8] ] والضلال مثل أن يخرج فلان إلى الصحراء فيضل بها ولا يعثر عليه، أو أن يعمل عملاً ولا يحصل على نتيجة، فهذا قد ضل عمله، أي: غاب وذهب، ولم يحصل على شيء [ فهو إخبار فيه معنى الدعاء عليهم بضلال أعمالهم، فلا ينتفعون بشيء منها؛ إذ كانت لبعضهم أعمال خيرية كإطعام جائع، أو سقي ظمآن، أو كسوة عارٍ ] كما تشاهدون جمعيات التنصير، فهي توزع الأدوية، وتوزع الأطعمة، وتوزع الملابس، وهذه أعمال خيرية، ولكنهم لا ينتفعون بها والله، بل قد أحبطها الله وأبطلها [ كما في قوله:
فَتَعْسًا لَهُمْ 
[محمد:8] أيضاً ] و
عبد الله بن جدعان وحده - وكان عربياً- كان في الموسم في الحج في كل عام ينحر ألف بعير للفقراء والمساكين المشركين والحجاج، ويوزع ألف بذلة، يعني: حلة، وهي ثوبين من نوع واحد، والآن دولة كاملة لا تقوى على هذا، فسألت
عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (
أرأيت يا رسول الله! عبد الله بن جدعان كان كذا وكذا، فهل يدخل الجنة؟ قال: لا؛ لأنه لم يقل يوماً من الدهر: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ). فهو لم يكن مؤمناً بالجنة ونعيمها، ولا بالنار وعذابها، بل كان مشركاً.
سبب تعذيب الله للكفار وإبطاله لأعمالهم