إسلام ويب

تفسير سورة آل عمران (27)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الأمور الشائعة والعقائد الثابتة عند يهود أن من عداهم من البشر نجس، يحل أكل ماله، وسفك دمه، والنيل من شرفه، وهذه كذبة بيّن الله زيفها ودحضها في كتابه الكريم، وبيّن سبحانه وتعالى أن من أوفى بعهده، ولم يخرج عن طاعة ربه، ولم يظلم عباده، فهو التقي المحبوب إلى ربه سبحانه وتعالى، المستحق لثوابه وجنته.
    الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلى نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) حقق اللهم لنا رجاءنا إنك ولينا وولي المؤمنين.

    وما زلنا مع سورة آل عمران عليهم السلام، وقد انتهى بنا الدرس إلى هذه الآيات الثلاث، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

    وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ * إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران:75-77].

    سبق ما أخبر به تعالى عن أهل الكتاب، إذ قال: وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [آل عمران:72] وقد عرفنا ما قالوا وهذه أيضاً أخرى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [آل عمران:75] أي: من اليهود والنصارى مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [آل عمران:75] يوجد فضلاء كُمل، عقلاء من أهل الكتاب ومن اليهود بالذات من إن تأمنه بقنطار من الذهب، وتجعله في ذمته وتودعه عنده يحفظه، وإذا قلت: رد علي أمانتي ردها بكل ارتياح.

    وهكذا القرآن وهو كلام العليم الخبير ما يعمم المدح ولا الذم، إذ يوجد من اليهود من أهل الكتاب من لو ائتمنته على قنطار من الذهب ثم طالبته برده إليك رده إليك كاملاً غير منقوص، ومنهم وهي الأكثرية الساحقة من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً.

    لولا أنك تلازمه صباح مساء حيثما يوجد وأنت على رأسه وتقول له: أعطني ما يعطيك، ومنهم الربانيون الصلحاء العلماء العارفون كـعبد الله بن سلام ، لو ائتمنته على قنطار والله ما خانك، ولوفى إليك وأعطاك ما ائتمنته عليه، فهذا إخبار الله تعالى، وليس بإخبار البشر قد يزيدون أو ينقصون، هذا إخبار العليم بخلقه الحكيم في تدبيره.

    وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [آل عمران:75] وإن كان اللفظ يشمل اليهود والنصارى لكن هنا المراد بهم اليهود، مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [آل عمران:75] والقنطار ألف أوقية.

    ومنهم صنف آخر: وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ [آل عمران:75] والدينار معروف لا يؤده إليك وأنت تلح وتطالب به إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا [آل عمران:75] بمعنى أنك تلازمه حيثما وجد أنت وراءه أعطني رد إلي ما أسلفتك، أعطني ما أقرضتك.

    هنا لطيفة فقهية من أهل الفقه من يقول: يجوز ملازمة المدين، ولا تفارقه حتى يؤدي إليك دينك، وأغلب المسلمين والفقهاء على أنه لا حاجة إلى هذا، لا تتعب أخاك وترهقه حتى يصبح يختفي بين الناس حتى لا تراه أو يراك، ولا بأس أن يحاكم ويرفع أمره إلى القضاء ويحكم القاضي بما يراه، لكن كونك لا تفارقه، ملازمة ليل نهار فيه عدم احترام لإمام المؤمنين، وعدم تقديرهم.

    إذ من الجائز أن يكون هذا المدين لا يملك شيئاً، لا يملك ما يؤدي إليك، فأنت تلازمه فتذله وتهينه وتضيق عليه الحياة من أجل دينار أو ألف كرامة المؤمن أعظم من هذا، فالجمهور على أن لا ملازمة، لكن يوجد من أهل العلم من قال: يلازمه حتى يسدد دينه.

    ونعود إلى حديثنا عن أهل الكتاب، قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [آل عمران:75] الأمر الشائع والعقيدة الثابتة عندهم، والسائدة فيهم أن البشرية نجس إلا اليهود وخاصة المشركين، وهم المعنيون بالأميين الذين لا يقرءون ولا يكتبون، فالمتعارف عليه عندهم والمتداول بينهم والمقرر في نفوسهم أن الإنسان نجس إلا أن يتهود.

    فإذا كان يهودي العقيدة كان نقياً طاهراً لا يحل أكل ماله، ولا إراقة دمه، ولا النيل من شرفه؛ لأنه كامل، فغير اليهود كل أموالهم، اذبح أبناءهم افعل ما تشاء لا إثم عليك، فهذا المعتقد عند اليهود، سنه فيهم وأقره بينهم ودعاهم إلى اعتقاده علماؤهم وأحبارهم، يكذبون على الله عز وجل.

    وحاشا لله أن يأذن في سفك دماء البشر، وانتهاك أعراضهم وتحطيم كراماتهم، وأكل أموالهم، وهم كلهم عباد الله، فهذه كذبة يهودية شاعت بينهم وتناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل على أن الأميين من العرب وهم المشركون وعامة البشر نجس يصح أكل أموالهم وإراقة دمائهم.

    واسمع الله تعالى يقول: ذَلِكَ [آل عمران:75] أي: من أنك لو تأمنه على دينار لا يؤده إليك إلا بالملازمة الدائمة، وسبب ذلك قالوا: لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [آل عمران:75] أي: لا يؤاخذنا الله ولا يعذبنا الله، إذا نحن أذينا المشركين، وأكلنا أموالهم أو فعلنا ما فعلنا في دمائهم وأعراضهم، وقرر هذا المعتقد عند اليهود هم علماؤهم وأحبارهم.

    قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا [آل عمران:75] متبجحين لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ [آل عمران:75] في هذه الآية خصوا العرب؛ لأنهم هم الأميون، ولكن ورد أن البشرية بأكملها نجس باستثناء الطائفة اليهودية، يستباح دماؤها وأموالها والعياذ بالله.

    قال تعالى: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:75] أي: يعلمون أنهم كاذبون، لا يكذبون على الله باعتقادهم أن الله قال: لا، وهم يعلمون أن الله ما أذن في هذا ولا أباحه، ولكن لمصالحهم الخاصة ومنافعهم التي يعيشون لها يكذبون على الله، فيوهمون أتباعهم وأبناءهم وإخوانهم على أن هذا كلام الله، وأن الله أذن لكم في أن تأكلوا أموال من شئتم من البشر إن تمكنتم منه؛ لأن هؤلاء نجس وأنتم الأطهار فقط.

    هذا خبر الله عز وجل عنهم: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:75] أي: يعلمون أنه كذب، ويوجد من غيرهم حتى ممن انتسبوا إلى الإسلام من يعتقدون اعتقادات باطلة كهذه، فيوجد من أهل السنة من يستبيح أموال ودماء وأعراض غير السنيين كالإباضيين والزيديين والطوائف الأخرى، في حين أن هذا لا يقوله ذو علم وبصيرة، ولا يحل مال امرئ إلا بحقه سواء كان يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً أو كان خارج عن مذاهب أهل السنة والجماعة، فأموال الناس ودماؤهم حرام وكلهم عبيد الله.

    فلا يأذن الله إلا فيما أذن فيه، فإن سرق قطعت يده، وإن قتل يقتل، وإن فجر يرجم، أما أنك تبيح دماء الناس وأعراضهم؛ لأنهم غير مؤمنين أو مسلمين هذا لا يوجد في دين الله، وإن وجد من يقول أو يرى فهو يكذب على الله عز وجل، ويقول على الله الكذب، وقد يكون يعلم، وقد يكون لا يعلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088547703

    عدد مرات الحفظ

    777258464