إسلام ويب

تفسير سورة آل عمران (31)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من مقتضيات الإيمان أن يؤمن المرء بكل الرسل الذين أرسلهم الله على مر التاريخ، فلا يصح إيمان عبد يؤمن ببعض الرسل دون بعض، كما لا يصح إيمان عبد يؤمن ببعض ما أنزل الله ويكفر بالبعض الآخر، وقد ختم الله عز وجل الرسالات برسالة الإسلام، وختم الأنبياء والرسل بمحمد صلى الله عليه وسلم، وجعل دينه مهيمناً على الدين كله، فلا دين في الأرض إلا الإسلام.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سابق عهدنا في مثل هذا اليوم والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فحقق اللهم رجاءنا إنك ولينا، ولا ولي لنا سواك.

    وها نحن مع سورة آل عمران، ومع هاتين الآيتين الكريمتين، وتلاوتهما بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:84-85].

    معنى قوله تعالى: (قل آمنا بالله وما أنزل علينا)

    معاشر المستمعين والمستمعات! قول ربنا: قُلْ آمَنَّا [آل عمران:84] فالله يأمر نبيه ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول: آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا [آل عمران:84]، والرسول هنا معه أمته، ونحن من أفرادها، فلنقل جميعاً: آمنا بالله، أي: صدقنا بوجوده، وبكونه رباً لا رب غيره، وبكونه إلهاً لا إله سواه. وقولنا: آمنا بوجود الله إذ كل هذه الموجودات دالة على وجوده.

    نعم كل موجود من هذه الكائنات دال دلالة قطعية يقينية على وجود موجدها، فهل عرفت البشرية خالقاً سوى الله؟ وهل وُجِد خالق غير الله؟ وهل يعقل أن يوجد موجود بدون موجد؟ مستحيل.

    لو كان الموجود مقلمة أظافر فإنك لا تستطيع أن تقنعني أنها وجدت بدون موجد، ولو كان الموجود نعلاً على باب المسجد فإنك لا تستطيع أن تقنع ذا عقل بأن هذا النعل وجد هكذا من نفسه؟ وكذلك لا تستطيع أن تقنع ذا عقل أن كأساً من الماء وجد هكذا من نفسه على طاولة؟

    فإذا كان كل ما سبق وغيره مستحيل الوجود بدون موجد، فكيف إذاً بهذه العوالم العلوية والسفلية؟

    وانظر إلى السماء وفكر فيمن بناها، أو هل وجدت من نفسها؟ هذا غير ممكن.

    وانظر إلى الشمس ومن علقها كالمنار في السماء.

    ولا تذهب بعيداً فانظر إلى نفسك تتجلى لك عظمة الخالق عز وجل: كيف أنك تنطق؟ كيف أنك تنظر؟ كيف أنك تحس وتشعر؟ كيف أنك تأكل وتشرب؟ كيف أنك تنام وتستيقظ؟!

    فقولوا: آمنا بالله رباً لا رب غيره وإلهاً، لا إله يستحق أن يؤله ويعبد سواه.

    إذاً قوله: (قولوا) أي: قل يا رسولنا وأمتك معك: ( آمنا بالله).

    وقال تعالى: ( وما أنزل علينا ) أي: من هذا القرآن العظيم، فآمنا بما أنزل علينا من هذا الكتاب الكريم، وهذه الشرائع والأحكام والتعاليم الإلهية الذي أنعم بها علينا.

    الإيمان بما أنزل على إبراهيم

    قال تعالى: وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وإبراهيم باللغة العبرية: الأب الرحيم، وقد ذكرنا أن مما امتاز به الخليل أنه ممن هاجر في سبيل الله، فأول هجرة تمت على الأرض لله تعالى هجرة إبراهيم، وقيل في إبراهيم: خليل الرحمن؛ لأن محبة الله تخللت في قلبه ففاز بهذه فقيل فيه: الخليل، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ( لو كنت متخذاً غير ربي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً )، ولكن تكفيه خلة الإسلام.

    وقد ابتلي إبراهيم فنجح وفاز في ابتلاء الله تعالى له، إذ قال عز وجل من سورة البقرة: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [البقرة:124]، فأصبح إمام الموحدين؛ لأنه ابتلي بالتكاليف فنهض بها ونجح فيها، ومن هذه التكاليف أنه أمر أن يبني له بيتاً في مكة في ذلك الوادي الأمين، ونهض بذلك إبراهيم وساعده ولده إسماعيل، وبنى لله داراً بيتاً في جبال فاران، فكانت واحدة من التكاليف.

    ودون ذلك بل وأعظم: أنه امتحن وهو الأب الرحيم بأن يقرب ولده إسماعيل قرباناً لله رب العالمين، واقرءوا ذلك في سورة اليقطين إذ قال تعالى عنه وقوله الحق وهو يخاطب إسماعيل: يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى [الصافات:102]، فقال الغلام الحليم إسماعيل ابن هاجر ، الذي كان سبب هجرة أمه إلى مكة: افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات:102]، وأمر هاجر وطيبته وطهرته وأخذ بيده إلى منى حيث تراق الدماء، وثم صرعه على الأرض وتله للجبين وفاداه الله عز وجل بذبح عظيم، وفاز بها إبراهيم.

    وحسبنا في إبراهيم أننا نصلي عليه في صلواتنا الخمس فنقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد.

    فإن سأل سائل: فهل إبراهيم أفضل من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟

    نقول: لا.

    فإن قال: كيف نقول: صل على نبينا كما صليت على إبراهيم، فالصلاة على إبراهيم إذاً أفضل من صلاتنا؟

    نقول له: يا بني! لا، وإنما إبراهيم وجد قبل نبينا، وصلى الله عليه قبل نبينا، فنحن نقول لمولانا: صل على نبينا كما صليت على نبيك إبراهيم، مع العلم أن نبينا أفضل الأنبياء، ومع هذا لم يسمح لنا أن نفضله على غيره من الأنبياء والرسل، فقال: ( لا تفضلوني على يونس بن متى )، لما علم المسلمون أن يونس ضعف في الدعوة وهرب منها خاف النبي صلى الله عليه وسلم أن نفضل نبينا عليه فقال: ( لا تفضلوني على ابن متى ).

    والشاهد عندنا في إبراهيم.

    الإيمان بما أنزل على إسماعيل

    قال تعالى: وَإِسْمَاعِيلَ إسماعيل هو ابن هاجر المصرية، وقد أخذت قسراً إلى ملك مصر الذي أراه الله تعالى بعض آيات عظمته، وتلك الآيات هي التي جعلته يرسل إلى سارة ويتفضل عليها بأن يهديها جارية هي هاجر ، فقد أعطاها ما شاء الله أن يعطيها وأكرمها وأعطاها هاجر ، وهاجر هذه هي التي ولدت إسماعيل، وقد تسراها إبراهيم فولدت إسماعيل، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه الهداة الدعاة المجاهدين: ( إنكم ستفتحون أرضاً يكثر فيها ذكر القيراط فاستوصوا بأهلها خيراً )، وهذا أيام كانوا محصورين في المدينة فيعدهم بأنهم سيفتحون الديار المصرية، فهو يقول: ( ستفتحون أرضاً يكثر فيها ذكر القيراط )، والقيراط هو جزء من أربعة وعشرين جزءاً، ( فاستوصوا بأهلها خيراً فإن لهم ذمة ورحماً )، والذمة والرحم سببهما أن هاجر أم إسماعيل قبطية مصرية، وأن المقوقس ملك مصر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما راسله ليدخل في الإسلام مع أمته أبى أن يدخل، ولكنه أهدى رسول رسول الله جارية وبغلة بيضاء تسمى الدلدل، وهذه الجارية هي مارية القبطية فتسراها رسول الله وأنجبت إبراهيم بن محمد صلى الله عليه وسلم، إلا أنه مات وهو رضيع قبل أن يفطم، فهذا الرحم وهذه هي الذمة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: ( فاستوصوا بإخوانكم المصريين خيراً فإن لهم ذمة ورحماً ).

    الإيمان بما أنزل على إسحاق ويعقوب

    قال تعالى: وَإِسْحَاقَ إسحاق هذا هو ابن إبراهيم، وأمه سارة بنت عم إبراهيم، وسارة هي التي هاجرت مع إبراهيم من أرض بابل إلى أرض الشام إلى فلسطين، وهي التي دفعتها الغيرة لما رأت الجارية تلد وهي لا تلد زمناً مع إبراهيم، فلما دفعتها الغيرة دبر الله ولي المؤمنين لإبراهيم أن يهاجر بإسماعيل ويلقيها بين جبال فاران، وقد قالت له: آلله أمرك بهذا يا إبراهيم؟ فيقول: نعم. فتقول: اذهب فإنه لن يضيعنا، فما الذي تم لها وقد تركها ومعها جراب فيه شيء من الطعام وسقاء فيه قليل من الماء، وتركها والرضيع في ذلك الوادي، وما هي إلا ساعات ولا أقول: أيام وقد نفد الماء الذي كان في ذلك السقاء، فالتفتت يميناً وشمالاً فلم تر شيئاً، والطفل والله يتلوى على الأرض من شدة العطش، والبلاد كما تعرفونها حارة.

    وجاشت النفس واضطربت هاجر ، وإذا بها تنظر إلى أقرب جبل تعلو عليه فوجدت الصفا، فأسرعت إلى الصفا فعلته وارتفعت عليه ونظرت يميناً وشمالاً فلم تر شيئاً، ثم رأت جبلاً أمامها وهو المروة فهبطت، وكان بين الجبلين واد منخفض الأرض فأسرعت لما وصلت إلى الوادي وهبطت أسرعت أكثر واجتازته وانتهت إلى المروة فعلت عليه وارتفعت، فنظرت يميناً وشمالاً ولا شيء، وفعلت ذلك سبع مرات، ثم وإذا بهاتف يهتف فتقول: أسمعت أسمعت، هل من غياث؟

    ولما هبطت من السعي إذا بجبريل عليه السلام واقف في صورة آدمي كريم، وبين يديه أو تحت رجليه إسماعيل يتلوى من العطش، فدنت، ولما دنت منه وقربت قال جبريل هكذا بقدمه الأرض ففار زمزم وذهب جبريل واختفى، وإذا بالماء يطير على الأرض وهاجر تزمه؛ حتى لا يسيخ في كل الأرض، فيقول حفيدها الطاهر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: ( رحم الله أم إسماعيل لو تركته لكان عيناً معيناً تجري إلى يوم القيامة )، فما نحتاج إلى دلو أيام الدلاء ولا إلى مكينة أيام المكينات، فتسيل دائماً، وهذه كلمة أحلى عندنا من العسل وأدب من محمد صلى الله عليه وسلم: ( رحم الله أم إسماعيل لو تركتها لكانت عيناً معيناً )، لكنها حشرتها بالتراب وأصبحت كالحوض فقط، فهذا هو زمزم.

    والله العظيم لو اجتمع علماء الطبيعة والكون والهبوط والصعود وقالوا: هذا ليس الماء الذي كان على عهد هاجر لكذبناهم ولعناهم، وهذا الآن أكثر من ستة آلاف سنة.

    وقد أطلق العليم الحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة فقال: ( زمزم لما شرب له )، وقال: ( زمزم طعام طعم وشفاء سقم )، وكم وكم من مريض شفي، وكم من عقيم ولدت، وكم من غائب عاد، فأنت بقوة إيمانك وصدقك مع ربك وإقبالك على الله في صدق تشرب زمزم لغرض ما فيحققه الله تعالى إن كان فيه خير لك.

    ومن السنة: أن من طاف بالبيت سبعة أشواط وهو حاج وصلى ركعتين خلف المقام يأتي زمزم فيشرب ويتضلع، ومعنى التضلع: أن يشرب الحاج حتى يمتلئ ضلوعك بالماء.

    وأحد الإخوة الصالحين كان يشرب دلواً كاملاً من زمزم ويوسع بطنه بيديه، ليحقق معنى التضلع بيديه.

    وإسماعيل كان مع والدته وإذا بقافلة من قوافل العرب مارة وهي من جرهم، يطلبون الماء فلم يجدوه، وظمئوا، فأرسلوا من يطلب لهم الماء، فشاهد طائراً يحوم حول جبال مكة، فقال: لن يكون هنا إلا ماء، والطير لا يطير إلا حول الماء، فجاء فوجد الماء فسر وفرح وعاد إلى قبيلة جرهم وقال لهم: تعالوا فإن الماء موجود في جبال فاران، فجاءت القافلة فنزلوا. وقالوا: أتأذنين لنا يا أم إسماعيل في أن ننزل بهذه الديار حولك من أجل الماء؟

    وهذه امرأة غريبة الدار، لا ولي لها إلا الله، وما معها إلا طفلها إسماعيل، فيستأذنونها في البقاء في النزول هنا، وهل يفعل هذا غير المسلمين؟ أما المسلمين بحق فنعم أما نحن فلا.

    إذاً هي امرأة غريبة وحيدة يطلب إذنها في أن ينزلوا عندها، فتقول: نعم على ألا حق لكم في الماء، ويوافقون ويطأطئون رءوسهم: الماء ماؤك.

    أو ما فهمتم هذه اللغة السياسية: الآن لو أن يهودياً .. نصرانياً .. عربياً .. كافراً .. شيوعياً وجد امرأة على ماء فإنه لا يستأذنها بل يلوي رأسها وعنقها، ويأخذ البلاد والعباد بالقوة، والشيوعية مثلاً صادرت أموال الناس: مزارعهم .. مصانعهم .. أموالهم بالقوة.

    أما قبيلة جرهم فتستأذن امرأة غريبة: هل تسمحين لنا؟

    ولو قالت: لا نسمح لعادوا من حيث أتوا، ولو اشترطت ألا حق لهم في الماء، لقبلوا الشرط ونزلوا.

    وقد ذكرت لكم أن إسماعيل واعد شخصاً فأقام سنة كاملة، وأثنى الله تعالى عليه بقوله: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا [مريم:54-55]، اللهم اجعلنا من محبيهم، أما أن نكون مثلهم فهذا لا يتحقق، وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ [مريم:55]، وهم في مكة، فقد تزوج الجرهمية، وأنجب من أنجب، وكان من ولده عدنان، ونحن من ذرية عدنان.

    وقوله: وَإِسْحَاقَ [آل عمران:84]، فإسحاق هو ابن إبراهيم عليه السلام، وأمه هي سارة بالسين لا بالصاد.

    واليوم تعلمنا علماً جديداً، ونحن نفرح بالعلم وفهمنا أن الماسون بالفرنسية الماصون وهو الذي يبني، وفي اللغة الإنجليزية ليس عندهم الصاد فقالوا: ماسون، فالماصو باللغة الفرنسية البناء، فالماصونيون البناءون لأمجاد اليهود، ومعنى الماسونيين البناءون لأمجاد بني إسرائيل الهدامون لأمجاد الخلق كلهم إلا لمجدهم يبنون.

    وأم إسحاق كانت عاقراً لا تلد، وإبراهيم كبرت سنه، وقد انخدع بعض المفسرين وحكوا حكاية اليهود وقالوا: إن إسحاق ولد قبل إسماعيل، وإن إسحاق هو الذي أخذه إبراهيم ليذبحه قرباناً لله تعالى، وهذا خطأ فاحش، فقد هاجر إبراهيم مع سارة وكانت زوجته من قديم فتزوجها في بيته مع أمه وأبيه وما ولدت لعقمها، وشاخ إبراهيم وكبر واختتن لما بلغ الثمانين من عمره، والقصة في القرآن واضحة من سورة هود عليه السلام في ذلك القصص.

    المهم لما دخل الوفد أصحاب المهمة لنسف مدن سدوم وعمورة نزلوا على إبراهيم في طريقهم إلى مهمتهم: إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ [الذاريات:25-29]، كيف ألد؟ وضربت وجهها على عادة النساء قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ [الذاريات:30].

    والشاهد في (عجوز عقيم): قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ [هود:72-73]، فهذه هي سارة وقد بشرت الآن بأن تلد ولداً هو إسحاق، قال تعالى: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [هود:71]، ولا يقوى على هذه البشرى من الخلق إلا الله، فهو يبشرك بولد ويولد ويعيش ويولد له ولد اسمه يعقوب؛ ولهذا قال: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً [الأنبياء:72]، فالبشرى الأولى بإسحاق وزادوها نافلة أخرى يعقوب، فتكون أم إسحاق وجدة ليعقوب، ومن يفعل هذا سوى الله.

    الإيمان بما أنزل على الأسباط

    قال تعالى: وَالأَسْبَاطِ [آل عمران:84] الأسباط جمع سبط، والسبط هو الحفيد ابن بنتك أو ابن ابنك، والأسباط هنا هم أولاد يعقوب، وهم اثنا عشر ولداً على رأسهم الصديق يوسف وأخوه بنيامين، وهؤلاء الأسباط كل منهم أصبح شيخ قبيلة، والأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب، فهذا جرهمي .. وهذا غفاري .. وهذا جهني، فكل واحد من أولاد يعقوب أصبح أباً لقبيلة، وإخوة يوسف نبأهم الله وكانوا أنبياء؛ ولهذا نؤمن بالأسباط.

    الإيمان بما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم

    قال تعالى: وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ نحن معاشر المسلمين منهجنا أننا نؤمن بكل نبي وكل رسول، ونؤمن بكل كتاب وصحيفة أنزلها الله عز وجل، فلا نؤمن ببعض الكتب ونكفر ببعض، ولا نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعض، فإن الذين يفعلون هذا قد خرجوا من دائرة الإسلام والإيمان، وهم كفار ملعونون، وهذه صفعة على وجه وفد نجران وقبائل اليهود الذين يتبجحون بأنهم مؤمنون ومسلمون، فأبطل الله دعواهم، وقرر هذه الحقيقة.

    الإسلام دين الأنبياء كلهم

    ختم الله تعالى الآيات بقوله: وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [آل عمران:84]، وهذا هو منهجنا: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:136]، فهؤلاء هم المسلمون، وهم مناقدون خاضعون فنمتثل الأمر ونجتنب النهي، أما اليهود فقد آمنوا بموسى وكفروا بعيسى، ولا قيمة لإيمانهم، أما النصارى فقد آمنوا بعيسى وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم، ولا قيمة إيمانهم.

    واعلموا أن الإجماع قد انقعد على أن من كذب رسولاً كأنما كذب كل الرسل، وأن من كذب بصحيفة واحدة فكأنما كذب بكل الصحف والكتب؛ لأنه تعالى على الله وأصبح يختار، فيؤمن بهذا الكتاب ولا يؤمن بهذا، ويؤمن بهذا الرسول ولا يؤمن بهذا، والله أمر بالإيمان بالكتب كلها وحينئذ يكون قد كفر وخرج من ملة الإسلام.

    وقوله: مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ [آل عمران:84]، أي: ما أعطوا وما أوحي إليهم، لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [آل عمران:84].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089156527

    عدد مرات الحفظ

    782253702