إسلام ويب

تفسير سورة الأنعام (51)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يتوعد الله عز وجل المشركين به، المكذبين بآياته ورسوله، أنهم إن أعرضوا عن دين الله فلينتظروا أن تأتيهم الملائكة لانتزاع أرواحهم، أو تقدم عليهم الساعة فيرون آياتها رأي عين، لكنهم حينئذ لن ينتفعوا بشيء، ولا حتى بكلمة التوحيد إن أتوا بها، وسيكون مصيرهم إلى نار جهنم جزاء تكذيبهم وإعراضهم، وهو مصير كل مكذب منهم وممن قبلهم من الأمم السابقة الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله إن شاء الله، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    هذا وإننا مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلكم السورة التي زفت في نزولها بسبعين ألف ملك ولهم زجل وتسبيح، تلكم السورة التي قررت المبادئ العظمى والقواعد المثلى الأربع:

    أولاً: لا إله إلا الله، والله لا يوجد إله حق يعبد مع الله إلا الله، بالبراهين والحجج والآيات والمنطق.

    ثانياً: محمد رسول الله، بالحجج والبراهين والآيات والمعجزات، لا ينكر رسالته إلا أحمق أو ميت لا عقل له ولا ضمير.

    ثالثاً: التشريع حق الله عز وجل، هو الذي يحل ما شاء ويحرم ما شاء، هو الذي يشرع ما يشاء من العبادات، هو الذي ينهى ويأمر؛ لأنه المالك، ولأنه العليم الحكيم، وغيره لا حق له في التشريع، قررت السورة هذا المبدأ بالآيات والحجج والبراهين.

    رابعاً: البعث الآخر والحياة الثانية، والجزاء على الكسب في هذه الدنيا، إما بالنعيم المقيم في دار السلام، وإما بالعذاب المهين في دار البوار، كذلك بالحجج التي لا ترد.

    هذه السورة المكية سورة الأنعام ها نحن في آخرها، ومع هذه الآيات الثلاث، فلنستمع إلى تلاوتها مجودة مرتلة ونحن نتأمل ونتدبر، ثم نأخذ إن شاء الله في دراستنا، فليتفضل التالي أو القارئ ليسمعنا قراءتها.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [الأنعام:158-160].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ [الأنعام:158] فيؤمنوا، هذا استبطاء لأولئك الذي يسمعون كلام الله يتلى بلسان رسول الله وهم يصدفون عن الإيمان ويصرفون غيرهم، يعرضون ويصرفون الناس عن الإسلام، ماذا ينتظرون؟ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ [الأنعام:158] فيشاهدونها وهي تنزل من السماء أو تمشي أمامهم، أو تقبض أرواحهم ثم يؤمنون بعد ذلك، وهل ينفعهم إيمان؟

    هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [الأنعام:158] جل وعز في عرصات القيامة، ليحكم بين عباده ثم يؤمنوا، أو يأتي أمر ربك بإنزال الصواعق عليهم أو الخسف بهم ثم يؤمنون.

    أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158]، والآيات: جمع آية، وهي العلامة الدالة على الشيء، الآية معناها: العلامة الدالة على الشيء، أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158]، هذه الآيات هي علامات يوم القيامة، هي أشراط الساعة، قال تعالى: فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ [محمد:18]، اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1]، والرسول الكريم يقول: ( بعثت أنا والساعة كهاتين )، ما هناك فرق بيني وبينها، وإن كان بيننا ألف وخمسمائة سنة، أو ألفا سنة، ما هو بشيء.

    معنى قوله تعالى: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً)

    قال تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ [الأنعام:158]، ومن هذه الآيات الآيات العشر التي جاءت في صحيح مسلم وفي غيره، ولم يظهر منها بعد آية، وأولاها: طلوع الشمس من مغربها، اختلال الفلك وإشعار بنهاية هذه الحياة، الشمس بدل أن تطلع من المشرق يقع خلل، إعلام بأن الأفلاك قد اهتزت؛ فإذا الشمس تطلع من المغرب، إعلام واضح صريح في نهاية هذه الحياة، هذه من أعظم الآيات، يوم تطلع الشمس المؤمن مؤمن والكافر كافر، والله العظيم، لو أراد الكافر أن يؤمن والله ما قبل منه إيمان، هو على كفره، ومن كان مؤمناً ولم يفعل خيراً وأراد أن يفعل الخير لن ينفعه ذلك، لا صيام ولا صدقة ولا ذكر ولا تلاوة، أغلق باب العمل.

    يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158] لا كل الآيات، وهي عشر. لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158] ، ونفساً كانت مؤمنة ولم تكسب في إيمانها خيراً؛ لضعف الإيمان، ثم لما شاهدت علامة القيامة قام الناس يصلون ويقومون الليل، فما ينتفعون بهذا؛ إذ الدار دار ابتلاء، والعمل يجزى به فاعله وله وقت، إذا آذن الله بنهاية الحياة ما بقي صيام ولا صلاة، هكذا يقول تعالى مستبطئاً إيمان الناس إلى متى ينتظرون؟ هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ [الأنعام:158] فيؤمنوا، أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ [الأنعام:158] جل جلاله وعظم سلطانه، كما يأتي في ساحة فصل القضاء للحساب والجزاء، أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158] الكبرى.

    ذكر علامات الساعة الكبرى

    يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158] يا رسولنا أو يا أيها السامع لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ [الأنعام:158]، ولا ننسى أن هذه الآيات الكبرى والعلامات الكبرى كالخرزات في خيط، إذا ظهرت واحدة توالت، وهي عشر، منها: طلوع والشمس من مغربها وهو أول الآيات.

    ثانياً: الدابة التي تخرج من صدع من جبل الصفا، هكذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، والعجيب أن صدع الصفا الآن صنع فيه طريق تأتي الدابة منه، وكنا نفهم أن الجبل يتصدع وتخرج هي، الآن الطريق مصنوعة، فصلى الله على رسول الله وسلم، تخرج من صدع من جبل الصفا، هذه فتنة، تكلم الناس وتضللهم ويستجيبون لها، كل من كان لا إيمان له أو إيمانه مهزوز يمشي وراءها.

    من الآيات: خروج يأجوج ومأجوج، هذه الأمة التي تكتسح الأرض، حتى الماء تشربه، وكذلك نزول عيسى عليه السلام، وقبل نزول المسيح الدجال الأعور، ثم ثلاثة خسوف: خسف في المشرق، وآخر في المغرب، وخسف في جزيرة العرب، ثم الدخان، ولا نعلم كيفية هذا الدخان الذي يسد العالم، وأخيراً: النار التي تخرج من قعر عدن، وتسوق الناس إلى الشام تبيت حيث باتوا وتقيل حيث قالوا، هذه الآيات الكبرى ما بعدها إلا قيام الساعة، هذه هي الآيات.

    هَلْ يَنظُرُونَ [الأنعام:158] في استبطائهم في إيمانهم وصلاح أعمالهم واستقامتهم، ينظرون ماذا؟ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158]، أعلمهم: لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158] ، أو نفساً آمنت ولم تكسب في إيمانها خيراً. ثم قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ [الأنعام:158].

    امتناع قبول التوبة حال الغرغرة

    ومن الآيات إذا حشرجت النفس في الصدر وغرغرت وظهر الملك للعبد -ملك الموت- فكذلك لا ينفعه الإيمان، ولهذا تقبل التوبة من العبد ما لم يغرر، فإن غرغر وحشرجت في الصدر، وشاهد ملك الموت وأعوانه وآمن فلن ينفعه إيمان، وإن أعلن عن توبته فلن تنفعه، ( إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر )، واقرءوا لذلك قوله تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [النساء:17-18]، لن تنفع، وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ [النساء:18] كذلك، ومعنى هذا: يا عباد الله! عجلوا، من كان مصراً على كبيرة من كبائر الذنوب فالآن يتوب من ليلته هذه، ومن كانت تزل قدمه ويعود إلى الطريق فليسأل الله الثبات وليستمر على توبته قبل فوات الوقت، فما هي إلا أيام وإن كثرت ثم تأتي الساعة أحببنا أم كرهنا، هكذا يقول تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158].

    ثم قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلِ انتَظِرُوا [الأنعام:158]، أيها المشركون، أيها الكافرون، أيها الفاسقون، أيها الفاجرون، يا من استبطئوا ولم يتوبوا، انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ [الأنعام:158]، ولا بد أن يقع هذا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089156379

    عدد مرات الحفظ

    782252445