إسلام ويب

تفسير سورة النساء (18)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرع الله عز وجل الزواج سكناً للنفس واستجابة للفطرة البشرية التي أنشأها سبحانه وتعالى في عباده، وقد جعل لهذا الزواج ضوابط وقواعد، فلا يتزوج الرجل ممن يربطه بهن علاقة نسب أو مصاهرة من النساء، ولا يتزوج إلا من كانت خالية من الزوج من الأجنبيات، وإن لم يستطع أن يتزوج الحرائر فله أن يتزوج من ملك اليمين، وإن استطاع الصبر على العزوبة حتى يتيسر له الزواج من حرة فهو خير له.
    الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!

    إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    الحمد لله الذي أهلنا لهذا الخير وجعلنا من أهله.

    ها نحن مع سورة النساء، ومع الآيتين اللتين درسنا الأولى منهما الليلة البارحة، والليلة مع الآية الثانية منهما، فهيا نتلو هاتين الآيتين ونتأمل ألفاظهما ومعانيهما وما أودع الله من الحِكَم والحُكم فيهما.

    قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النساء:24-25].

    ما تعودنا على فهم كلام الله، نعاني صعوبة، إي نعم.

    في الآية الأولى عرفتم أن الله تعالى ختم المحرمات الإحدى وعشرين بهذه المحرمة، وهي المحصنات من النساء، المحرمات بالنسب سبع، وبالرضاع سبع، وبالأصهار سبع أو بالمصاهرة، هذه إحدى وعشرين محرمة.

    والمحصنات هذه الخاتمة لأولئك المحرمات، وَالْمُحْصَنَاتُ [النساء:24]: جمع محصنة من النساء، يعني بالمحصنات هنا: المتزوجات، فمن كانت تحت زوج مؤمناً أو كافراً، مجوسياً أو مشركاً لا يحل لمؤمن أن يتزوجها وهي تحت رجل قد أحصنها وأحصنته.

    واستثنى: إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24] هذه القضية خاصة بالجهاد الإسلامي الإيماني، إذا جاهدنا أمة لندخلها في رحمة الله، وننقذها من خزي الدنيا، وعذاب الآخرة، ونصرنا الله عليها، ومات الكثير من رجالها، وأخذنا السبايا من النساء والأطفال، هل يجوز لنا أن نتزوج واحدة من أولئك الأسرى؟ يجوز، بشرط أن تسلم إذا لم تكن كتابية؛ لأن نكاح المشركات ممنوع ومحرم، وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221] فبما أن زوجها من الجائز أن يكون قد مات.

    ثانياً: ما أصبح له أمل أن تعود إليه أو لها أمل أن يرجع إليها، ففي هذه الحال تبقى هذه المؤمنة وقد أسلمت يجوز للمؤمن أن يتزوجها وإن كانت تحت زوج؛ لأن عصمة الزوج تمزقت بموته في الغالب بالإسلام، أسلمت وهو كافر فلا تحل له، فهذا الذي تحمله هذه الآية من الهداية وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:24] عام اللهم إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24] الأيمان جمع يمين، وكيف تحصل على مرأة باليمين؟ في حرب الجهاد لا في حرب الدنيا والمال والاستعلاء والتطاول، لا يقصد القرآن هذا، يقصد حاربنا أمة كافرة من أجل هدايتها ورحمتها وإنقاذها وإدخالها رضوان الله؛ فإن سقط رجالها وماتوا تحت سيوفنا أو مدافعنا ماذا نصنع بالنساء والأطفال؟ نسبيهم ونوزعهم ليدخلوا في رحمة الله؛ لأننا دعاة الله وهداته لعباده.

    هذه التي ما ندري زوجها مات أو قتل أو ما قتل، ما أصبح هناك أمل أن ترجع إليه، أسلمت وهو كافر يجوز تزوجها وإلا لا؟ بلى فقد أذن الله، إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [النساء:24] فيه كل المحرمات كتبها الله علينا كتاباً وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء:24] دون الواحدة والعشرين كله حلال اللهم إلا بقيود، من تلك المحللات ولا تحل: المرأة إذا طلقها زوجها ثلاث طلقات وبانت منه، هل تحل له؟

    هذه ما هي موجودة لا في المصاهرة ولا في النسب .. لها حكم خاص هذه؟ تلاعب بدين الله طلق وراجع طلق وراجع يجب أن يعاقب بعد الثالثة لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، وفي هذا إهانة له وكسر لأنفه، هذا الذي ما عرف الطريق، فإذا طلقها ذاك الزوج أو مات عنها يجوز أن يتزوجها.

    فقوله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ [النساء:24] أن تدفعوا بأموالكم وهي المهور مُحْصِنِينَ [النساء:24] حال كونكم تريدون الإحصان لا الزنا، وهذا يتم بالعقد والمهر والشروط والصيغة مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ [النساء:24] والسفاح هو سيلان الدم والمني الزنا، فما استمتعتم به منهن فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً [النساء:24] لازمة.

    التي عقد عليها ودخل عليها لها مهر كامل، وإن لم يبن بها فلها نصف المهر، وإن لم يسم ولم يبن فلها متعة.

    ثم قال تعالى: وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:24] أي: لا حرج ولا إثم ولا تضييق فيما تراضيتم به من بعد الفريضة، ما الفريضة هذه؟ المهر المفروضز

    إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:24] انتبه يا عبد الله! هذا تشريع وتقنين عليم ما هو مجرد عالم، عليم بالظواهر والبواطن الماضي والمستقبل على حد سواء، حكيم فيما يضع ويشرع ويقنن، إياك أن تفكر أن في هذه الأحكام خطأ أو زور أو عدم صلاح انتبه فتسقط.

    إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا [النساء:24] لو كان جاهلاً يتخبط كالجهال ما نقبل حكمه هذا، لو كان غير حكيم أحمق مثلنا يضع الشيء في غير موضعه ما يقبل حكمه، لكن الخطاب هذا للعقلاء، أعلمهم أنه عليم حكيم ليطأطئ رءوسهم، ويسلموا لله عز وجل أحكامه، فلا تناقش أبداً، ولا يحاول التبديل أو التغير فيها أحد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086911237

    عدد مرات الحفظ

    769465716