إسلام ويب

تفسير سورة النساء (46)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بعد أن أمر الله عز وجل عباده المؤمنين بأن يأخذوا حذرهم ويستعدوا لملاقاة عدوهم، أمرهم بعدها بأن يقاتلوا في سبيله سبحانه، بأن يقدموا أموالهم وأرواحهم طلباً لمرضاته سبحانه، فيقاتلون من لا يؤمن بالله ولا بلقائه بعد أن يدعوهم إلى الإيمان به والتوبة إليه، وقد بين الله لهؤلاء المؤمنين المجاهدين ما ينتظر الواحد منهم من الأجر العظيم والثواب الجزيل في الدنيا والآخرة.
    الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!

    إننا على سالف عهدنا في هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    اللهم حقق رجاءنا، وأعطنا ما طلبناك مولانا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك!

    وها نحن مع سورة النساء المدنية المباركة، ومع هذه الآيات الثلاث التي مررنا بها بالأمس، ولم نعطها حقها من الدراسة، فنعيد تلاوتها ودراستها مرة أخرى، تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

    فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا * وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا * الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النساء:74-76].

    شرح الكلمات

    مفردات هذه الآيات الثلاث:

    ما المراد بسبيل الله في قوله تعالى: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74]؟

    [ سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74] الطريق ] الموصل بالسالكين[ الموصلة ] بهم [ إلى إعلاء كلمة الله ] بمعنى:[ بأن يعبد وحده، ولا يضطهد مسلم في دينه ولا من أجل دينه ].هذه هي سبيل الله.

    فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74]، ما سبيل الله؟ قال أهل التفسير: سبيل الله الطريق الموصلة بالسائرين عليها السالكين فيها، تصل بهم إلى أي غاية؟ قال: إلى إعلاء كلمة الله، كيف تعلو كلمة الله؟ ما معنى: إعلاء كلمة الله؟

    الجواب: بأن يعبد الله وحده، لا يعبد عيسى ولا العزير ولا الأوثان ولا الأصنام ولا النار ولا الكواكب ولا الشهوات ولا الأهواء، ولكن يعبد الله تعالى وحده، ما معنى: يعبد وحده؟ يعظم.. يكبر.. يطاع.. يحب.. يذل له.. يطرح بين يديه.. تتعلق به القلوب.. لا تلتفت إلى سواه.. يطاع فيما يأمر به وفيما ينهى عنه، مع حبه غاية الحب وغاية التعظيم، نقاتل في سبيل الله لإعلاء كلمته، ومن أجل ألا يضطهد مسلم في دينه ولا من أجل دينه أيضاً.

    [ يَشْرُونَ [النساء:74] ].

    ما معنى: (يشرون)؟ بالأمس فسرناها.

    معناها:[ يبيعون؛ إذ يطلق الشراء على البيع ].

    شرى فلان السيارة الفلانية بمعنى: اشتراها، وشرى فلان السيارة بمعنى: باعها، يجوز استعمال شرى في البيع والشراء، أما اشترى بالافتعال والزيادة فمعناه: أخذ وأعطى.

    وهنا لطيفة أشرنا إليها بالأمس: لم التعبير بيشرون هنا؟ ليحتمل معنيين:

    المعنى الأول: أولئك الذين كانوا يهربون من الجهاد، سبق الحديث عنهم وإلا لا؟ إذا فاز المجاهدون بالغنيمة تأسفوا وتحسروا: يا ليتنا كنا معهم، وإذا كانت الأخرى فرحوا: ما خرجنا.. نجونا، فدعاهم الله: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74] أولئك الذين شأنهم كذا وكذا، أولئك الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [النساء:74] يبيعون الآخرة بالدنيا، يشرون هنا بمعنى: يشترون الحياة الدنيا بالآخرة؛ لأنهم سلموا الآخرة وتركوها ولم يعملوا لها، ويعملون لدنياهم، معنى هذا أنهم باعوا الآخرة بالدنيا، وهذا صالح، والمعنى الأول وهو العام: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74] من هم؟ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا [النساء:74] يبيعونها رخيصة لا قيمة لها، ويأخذون الآخرة بدلاً عنها، هذا السر في التعبير بيشرون لا يشترون، لو قال: يشترون وجه واحد، والقرآن حمال وجوه.

    قال: [ يَشْرُونَ [النساء:74] يبيعون إذ يطلق الشراء على البيع أيضاً.

    وَالْمُسْتَضْعَفِينَ [النساء:75] ] من هم المستضعفون؟

    قال: [ المستضعف الذي قام به عجز ] بدني أو مالي أو قبلي [ فاستضعفه غيره فآذاه لضعفه ].

    والمراد من هؤلاء المؤمنون في مكة والنساء والأطفال، المؤمنون محاصرون مضايق عليهم لا يسمح لهم أن يقول أحدهم لا إله إلا الله، والنساء عاجزات والأطفال كذلك، وكان عبد الله بن عباس عندما تقرأ هذه الآية يقول: كنت أنا وأمي من المستضعفين في مكة.

    قال: [ الْقَرْيَةِ [النساء:75] ].

    ما معنى: (القرية)؟ في اصطلاح الجغرافيين المعاصرين القرية: بنيات معدودة ذات ألف نسمة وألفين، وفي الإسلام القرية الحاضرة العاصمة المدينة الكبرى، مشتق من التقري الذي هو التجمع، نأخذ بتعاليم القرآن أو تعاليم الجغرافيين اليهود والنصارى؟

    قال: [ القرية في عرف القرآن: المدينة الكبيرة والجامعة، والمراد بها هنا مكة ].

    المراد منها في هذه الآية مكة إذ قال تعالى: رَبَّنَا [النساء:75] أي: يا ربنا، أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا [النساء:75] قبل فتح مكة هي مكة.

    قال: [ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ [النساء:76] ]. ما معنى: (في سبيل الطاغوت)؟

    [ أي: في نصرة الشرك ومساندة الظلم والعدوان ونشر الفساد ].

    بين الناس، الشيطان وأولياؤه يقاتلون من أجل أن يشرك بالله في عبادته، ومن أجل مساندة الظلمة، ومن أجل العدوان ونشر الخبث والفساد؛ إذ الشيطان مهمته الشر والفساد.

    معنى الآيات

    قال: [ معنى الآيتين:

    بعدما أمر الله تعالى عباده المؤمنين بأخذ حذرهم ].

    قال وقوله الحق: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا [النساء:71].

    [ بعدما أمر الله تعالى عباده المؤمنين بأخذ حذرهم وهو الأهبة للقتال ].

    والاستعداد له.

    [ أمرهم أن يقاتلوا ].

    أمرهم أولاً بأخذ الأهبة والاستعداد؛ فأخذوها وتهيئوا للقتال، لا أننا نأخذ الأهبة ونتهيأ ولا نقاتل، ما الفائدة إذاً في هذه الأهبة؟

    [ فقال: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ [النساء:74] أي: يبيعون الدنيا ليفوزوا بالآخرة وهم ] من هم؟

    [ المؤمنون حقاً ] لا المنافقون ولا المشركون والكافرون، بل المؤمنون حقاً وصدقاً.

    قال: [ فيقدمون أموالهم وأرواحهم طلباً للفوز بالدار الآخرة، يقاتلون من لا يؤمن بالله ولا بلقائه بعد أن يدعوه إلى الإيمان بربه والتوبة إليه ].

    وقد بينا هذا وعرفناه: ترسوا سفننا على شاطئ الإقليم الفلاني نراسلهم: إما أن تدخلوا في الإسلام، أو تسمحوا ندخل نحن ننشر الإسلام، أو الحرب والقتال، هذه تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    قال: [ ثم أخبرهم أن من يقاتل استجابة لأمره تعالى فيقتل، أي: يستشهد، أو يغلب ] العدو وينتصر عليه [ وينتصر على كلا الحالين فسوف يؤتيه الله تعالى أجراً عظيماً -ألا- وهو النجاة من النار ودخول الجنة ] دار الأبرار.

    [ هذا ما دلت عليه الآية الأولى ].

    وهي قوله تعالى: فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:74].

    [ أما الآية الثانية:

    فإن الله تعالى بعدما أمر عباده ] أي: المؤمنين [ بالجهاد، واستحثهم على المبادرة وخوض المعركة ].

    (استحثهم) على ماذا؟ (على المبادرة وخوض المعركة).

    [ بقوله: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:75] ].

    أي مانع منعكم؟ كيف لا تقاتلون؟ استفهام تعجبي وإنكاري.

    [ وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:75] ليعبد وحده ويعز أولياؤه ].

    ليعبد أولاً وحده وليعز أولياءه، ما يبقى استضعاف للمؤمنين وتعذيب لهم.

    قال: [ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ [النساء:75] الذين يضطهدون من قبل المشركين ويعذبون من أجل دينهم حتى صرخوا وجاروا بالدعاء إلى ربهم قائلين: رَبَّنَا [النساء:75] ] أي: يا ربنا [ أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا [النساء:75] ] أي: [ يلى أمرنا ويكفينا ما أهمنا، وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا [النساء:75] ينصرنا على أعدائنا، أي شيء يمنعكم أيها المؤمنون من قتال في سبيل الله، لُيعبد وحده، وليتخلص المستضعفون من فتنة المشركين لهم من أجل دينهم؟ ].

    أي شيء يمنعكم؟ لا شيء.

    [ثم في الآية الثالثة أخبر تعالى عباده المؤمنين حاضاً لهم على جهاد أعدائه وأعدائهم ].

    أعداء الله وأعداء المؤمنين الكافرون المشركون الظالمون المعتدون.

    [ بقوله: الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:76]؛ لأنهم يؤمنون به وبوعده ووعيده ].

    بوعده لمن؟ لأوليائه بدار السلام، ووعيده لمن؟ لأعدائه بدار البوار النار -والعياذ بالله- هناك فرق بين الوعد والوعيد وإلا لا؟ الوعد بالخير والوعيد بالشر، قاعدة عامة في لغة القرآن.

    قال: [ لأنهم يؤمنون به وبوعده ووعيده، وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ [النساء:76] وهو الكفر والظلم؛ لأنهم لا يؤمنون بالله تعالى ولا بما عنده من نعيم، ولا بما لديه من عذاب ونكال ].

    أي: في الدار الآخرة.

    [ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ [النساء:76] ] من هم؟ [ وهم الكفار، ولا ترهبوهم ] لم؟ [ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ [النساء:76] كان وما زال ضَعِيفًا [النساء:76]، فلا يثبت هو وأولياؤه من الكفرة أمام جيش الإيمان أولياء الرحمن ].

    الفرق بين المقتول في سبيل الله والعائد بالغنيمة

    هنا لطيفة:

    قال: [ ظاهر الآية التسوية ] أي: المساواة [ بين من قتل شهيداً وبين من انتصر ورجع بنفسه ] من المعركة.

    هناك ظاهرة ينبغي أن نتأملها: ظاهر الآية التسوية بين من قاتل وقتل، وبين من قاتل وانتصر وعاد حتى بالغنيمة، وذلك في قوله: وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ [النساء:74] كلاهما على أجر واحد، فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:74]، في تسوية بين من قتل وبين من عاد منتصراً؟ هذا الظاهر، والسنة النبوية تفصل وتبين، كل مجمل في القرآن يحتاج إلى بيان رسول الله بينه؛ إذ هي مهمته، أما قال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، المجمل في القرآن الذي يحتاج إلى بيان وتفصيل معهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    قال: [ وهناك حديثان أحدهما يقتضي التسوية وآخر ينفيها، فالأول ] الذي يقتضي التسوية [ حديث أبي هريرة ] إذ فيه يقول صلى الله عليه وسلم [ ( تضمن الله لمن خرج في سبيله ) ] تضمن من الضمانة، ضمن له [( تضمن الله لمن خرج في سبيله ) ] أي: إلى الجهاد [ ( لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاداً في سبيلي، وإيماناً بي، وتصديقاً برسولي ) ] ما خرج لأي معنى آخر، لا وطنية.. لا مال.. لا سمعة.. لا شهرة.. لا انتصارات أبداً، خرج هكذا يريد وجه الله ونصرة دينه.

    مرة ثانية: اسمعوا لفظ الحديث: ( تضمن الله لمن خرج في سبيله ) أي: في سبيل الله، ( لا يخرجه إلا جهاداً في سبيلي، وإيماناً بي، وتصديقاً برسولي ) محمد صلى الله عليه وسلم [ ( فهو علي ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر وغنيمة ) رواه مسلم ].

    هذا ضمان الله، ( علي ضامن أن أدخل الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرجه منه نائلاً ما نال من أجر وغنيمة )، هذا الحديث الأول أخرجه مسلم .

    والثاني يقول: ( وما من غازية ) امرأة غازية، أو جماعة غازية؟

    جماعة، ( ما من غازية ) لم الرسول يقول غازية؟ كان يقول: غزاة؛ لأن المرأة ما تغزو، ولا نسمح لها أن تغزو، لا تغزو المرأة أبداً، مهمتها الطهي والفراش وتربية الأولاد من بنين وبنات، ما تقاتل، ضعيفة البنية، رقيقة الشعور والحواس، منزلتها عالية؛ لأنها تنجب عباد الله وإماءه.

    فالرسول عارف معرفة أن المسلمين ما يفهمون من غازية أن المرأة تغزو، يقول صلى الله عليه وسلم: ( ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة وبقي لهم الثلث، وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم ) .

    مرة ثانية: غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة ينتصرون ويأخذون الغنائم كذا وإلا لا؟ إلا تعجلوا ثلثي أجرهم، ثلثي الأجر أخذوه في الغنيمة والثلث الباقي مقابل جهادهم وغزوهم إلا تعجلوا ثلثي الغنيمة، أي: الأجر، ويبقى لهم الثلث الثلثان الأموال التي كسبوها والنصر الذي حصلوا عليه، والثلث الآخر أجر الآخرة.

    قال: ( وإن لم يصيبوا غنيمة ) خرجوا للغزو وما أصابوا غنيمة ( تم لهم -ماذا؟- أجرهم) كاملاً، وإذا عادوا بشيء من المال ما تم لهم أجرهم كاملاً، كذا وإلا لا؟

    والجمع بين الحديث الأول والثاني قال: [ أن من غزى ناوياً الأجر والغنيمة] خرج من بيته ناوي الأجر والغنيمة يريد أجر الدار الآخرة والغنيمة يكسبها، نيته ازدوجت وإلا لا؟ أصبح ينظر بجهتين يريد الأجر ويريد الغنيمة، إذاً [ من غزا ناوياً الأجر والغنيمة، ثم غنم وسلم من القتل نقص أجره في الآخرة؛ فلم تكن درجته كالذي استشهد ولم يغنم، ولكن الذي نوى الأجر دون الغنيمة أيضاً والسبب الفارق قال هو اشتراك النية وعدم خلوصها ].

    خلاصة القول: من خرج ناوياً الجهاد في سبيل الله لم يخطر بباله غنيمة ولا مالاً، هذا إن استشهد أو غلب وانتصر أجره كامل تام واف، وإن هو خرج يريد وجه الله عز وجل وما استشهد ولا غنم أجره كامل، غزت الغازية ما انتصرت.. ما مات منهم أحد ولا حصلوا على غنيمة، أجرهم كامل.

    والذي يخرج من بيته والرمح في يده يريد نصرة الإسلام، ويريد أيضاً الحصول على مغنم، فهذا إن حصل على مغنم له ثلث الأجر فقط، والثلثان أخذهما في الغنيمة.

    والدعوى من وراء هذا: أن نخلص لله أعمالنا، لا نلتفت إلى أموال العدو صامتة أو ناطقة، ولا نقصدها بقتالنا، ولكن نريد فقط أن ننقذ تلك الأمة من النار، وأن نقودها إلى شواطئ السلامة والنجاة من عذاب الله.

    ونية أخرى: أننا نريد أن يعبد الله نتملق الله ونتزلفه بأن نأمر عباده بعبادته ليعلي درجتنا ويرفع مقامنا عنده، وكله خير وصلاح.

    رابعاً: قال [الإجماع على وجوب تخليص الأسرى من المسلمين بالقتال أو بالمال] وأشرنا إلى هذا أمس، إذا أسر مؤمنون قلوا أو كثروا في غزوة غزوناها وجهاد جاهدناه.. لا يحل للمؤمنين أن يتركوا إخوانهم أسرى في أيدي الكفر يعذبون ويعانون من البلاء، يجب أن نغزو تلك البلاد لنستخلصهم، وإن طلبوا منا أموال أخرجنا أموالنا ولو كلها من أجل إنقاذ مؤمن يعبد الله عز وجل.

    وهذا يدل على كرامة المؤمن. أي نعم، المؤمن الحق بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا لو وضعناه في كفة ميزان -أيام كانوا يزنون بالكفة الآن يزنون بآلات أخرى- ووضعنا كل الكفار وبلايين الكفار في كفة والله لرجحت كفة المؤمن، فلهذا المؤمن عزيز.

    هداية الآيات

    قال: [هداية الآيات.

    من هداية الآيات:

    أولاً: فرضية القتال في سبيل الله] وجوب القتال في سبيل الله [ولأجل إنقاذ المستضعفين من المؤمنين نصرة للحق وإبطالاً للباطل].

    أية آية دلت على هذا الحكم فرضية القتال؟ أول كلمة فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:74] أليس هذا أمراً؟

    [ثانياً: المقاتل في سبيل الله باع دنياه واعتاض عنها بالآخرة ولنعم البيع] ( ربح البيع أبا يحيى

    ) ، هذه كلمة تغنى بها الرسول صلى الله عليه وسلم ( ربح البيع أبا يحيى

    )، هذا صهيب الرومي نسبة إلى بلاد الروم.. الشام وما وراءها، هذا كان صائغاً أو حداداً -والعبارات واحدة- في مكة، لما ظهر الإسلام وأرسل رسولنا صلى الله عليه وسلم آمن ودخل في الإسلام، حتى قال المشركون هذا الذي يقول محمد يتلقاه من هذا الرومي، وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل:103] .

    قالوا: محمد يتلقى هذه العلوم التي يقول بها من الرومي صهيب ، فرد الله عليهم بقوله: هذا البيان العجب كلام الله الذي يلحدون إليه ويميلون أعجمي ما يعرف العربية، وهذا لسان عربي مبين، أين يذهب بعقولهم؟ أسقطهم.

    فلما أراد أن يهاجر صهيب اعترضه رجالات قريش، والله لن تغادر بلادنا حتى تعطينا كل مالنا عندك أو تدلنا عليه؛ إذ كانوا يدفنون الأموال تحت الجدران وفي الأرض.. أنت ذاهب إلى محمد أين أموالك؟ ما عندنا يا جماعة. لا والله ورجع بهم وكشف عن أمواله وقال لهم: خذوها، وجاء بلا شيء، وما إن شاهده رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعيد، وهو يعرف تلميذه، وإذا به يقول: ( ربح البيع أبا يحيى.. ربح البيع أبا يحيى ) .

    باع دنياه كلها بالإيمان والإسلام، وهذه آياتنا فيها البيع فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون أي: يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة .

    قال: [ثانياً: المقاتل في سبيل الله باع دنياه واعتاض عنها الآخرة ولنعم البيع] وإلا لا؟ ولنعم البيع.

    [ثالثاً: المجاهد يئوب أي: يرجع بأعظم صفقة].

    أية؟! صفقة أو صفعة؟ سلوا التجار عن الصفقة يعرفونها.

    قال:[ المجاهد يئوب -يرجع- بأعظم صفقة سواء قتل أو انتصر وغلب ألا وهي الجنة]، المجاهد يئوب ويرجع بأعظم صفقة تجارية سواء قتل أو انتصر وغلب أليس كذلك، هذه الغنيمة ما هي؟ الجنة، الجنة دار السلام اللهم اجعلنا من أهلها.

    قال:[ رابعاً: لا يمنع المؤمنين من الجهاد خوف أعدائهم] لم؟ قال: [لأن قوتهم من قوة الشيطان]، قوة الكافرين من قوة الشيطان ،[وكيد الشيطان ضعيف] فهم إذاً ضعفاء مهزومون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088571358

    عدد مرات الحفظ

    777397001