إسلام ويب

تفسير سورة النساء (56)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى مرتبة عظيمة ومنزلة رفيعة، وقد نفى الله سبحانه وتعالى أن يستوي في الأجر والمنزلة من يجاهد بنفسه وماله من المؤمنين، ومن يقعد عن الجهاد بخلاً بماله وضناً بنفسه أن يقدمها لله عز وجل، ولكن الله استثنى من الذين لم يجاهدوا أولي الضرر، فجعل لهم أجر المجاهدين رغم قعودهم عنه لصلاح نياتهم ورغبتهم في الجهاد لولا وجود ما يعيقهم، وحتى مع وجود العذر فإن المجاهد يفضل على من لم يجاهد لعذر درجة في الجنة، لما حازه من سبق، وما قدمه من تضحيات.
    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر جميعاً بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم لنا رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.

    وما زلنا مع سورة النساء المدنية المباركة الميمونة، ومعنا آيتان كريمتان قبل الشروع في تلاوتهما ثم في تفسيرهما أذكر الناسين بما جاء في الآيتين السابقتين، وتلاوتهما بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء:94].

    هداية الآيات

    قال المؤلف: [ من هداية الآيتين: أولاً: مشروعية السير في سبيل الله غزواً وجهاداً ] وذكرنا أيضاً أن السير إلى الحج، أو إلى العمرة، أو إلى طلب العلم، أو لزيارة الأرحام وصلتهم، أو لزيارة الصالحين الأحياء لا الأموات، كل هذا يعتبر سيراً في سبيل الله عز وجل، لكن المقصود هنا بـ(في سبيل الله): الغزو والجهاد في سبيل الله.

    قال: [ ثانياً: وجوب التثبت والتبين في الأمور التي يترتب عليها الخطأ فيها ] أي: ينبغي لنا معشر المستمعين والمستمعات! أن نتثبت ونتبين في الأمور التي إذا وقع فيها خطأ كان الضرر والألم الكبير.

    ومن أقرب ما أشير إليه: يا سائقي السيارات! تثبّتوا في سياقتكم! وتأملوا واحترسوا؛ لأنكم تحملون أرواحاً، ويمر بين أيديكم أرواحاً، وقتل النفس خطأ قد عرفتم ماذا يترتب عليه؟ الدية وعتق رقبة، فإن عجز صام شهرين متتابعين؛ لأنه ما تحفّظ وما تثبّت وما تبيّن.

    فعلينا معاشر المؤمنين! أن نتبيّن وأن نتثبت في الأمور كلها، فلا نصدر حكماً إلا على علم، ولا نتحرك حركة إلا على بينة وعلم.

    قال: [ ثالثاً: ذم الرغبة في الدنيا إذا كانت تتعارض مع تقوى الله عز وجل ] أي: ذم الدنيا من مال وجهاه وسلطان إذا كانت تتعارض مع تقوى الله عز وجل، أما قال تعالى: فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ [النساء:94]؟ فهم قتلوا هذا العبد وقد سلّم عليهم ليدلل على أنه مسلم، ولكن لاحت الرغبة في نفوسهم في الغنيمة والمال، فقالوا: ما قال: السلام عليكم إلا تقية فقط لنفسه، فهو حقيقة من قوم كافرين محاربين، لكن من كان معه فقد هرب، وهو ثبت على أنه مسلم، لكن الأصحاب رضي الله عنهم تعرضوا لهذه المحنة، ونزل فيهم قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ [النساء:94]، أي: أنتم.

    قال: [ رابعاً: الاتعاظ بحال الغير والاعتبار بالأحداث المماثلة ]، أما كنتم يا أصحاب رسول الله كافرين مشركين؟ من أنعم عليكم بالإيمان والإسلام؟ فكذلك أيضاً هذا مثلكم كافر وقد أنعم الله عليه بالإسلام والإيمان، أما كنتم تخافون من المشركين وترهبونهم ولا تعلنون عن إسلامكم؟ فكذلك هذا أيضاً كان مع قوم كافرين مختفياً، ما استطاع أن يظهر إسلامه، وهذا هو التأديب الإلهي، فيا ليتنا نأخذ به.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088545986

    عدد مرات الحفظ

    777243903