إسلام ويب

تفسير سورة النساء (62)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • فضائل الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم كثيرة، ومما تفضل الله به عليه أنه وقاه من الجور في الحكم في قضية بني أبيرق واليهودي الذي اتهموه بالسرقة، فبعد أن كاد النبي يحكم على اليهودي بعد شهادة الشهود عليه أنزل الله عز وجل قرآناً يتلى، برأ فيه اليهودي وفضح طعمة بن أبيرق المنافق إذ كان هو الذي سرق ورمى بهذه التهمة اليهودي البريء، وبعد فضحه انقلب على عقبيه فاراً إلى مكة كافراً.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وما زلنا مع سورة النساء الميمونة المباركة، وها نحن مع هذه الآيات الأربع، فهيا نتلو هذه الآيات ونتدبر معانيها وما تحمله من هدى، يقول تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:110-113].

    تأملوا هذا، الله يخاطب رسوله فيقول: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:110]، وهذه عامة لكل مؤمن ومؤمنة.

    وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ [النساء:111]، لا على غيره، وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:111]، لا يخفى عليه من كسب إثماً وجحده وغطاه، (حكيماً) يجزي بحسب ذلك العمل.

    وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا [النساء:112]، وتأملوا هذه الآية.

    ثم قال تعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:113].

    وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا [النساء:110]، ماذا تفهم يا عبد الله ويا أمة الله من هذا الخبر؟ المخبر هو الله العليم الحكيم، وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا [النساء:110]، والسوء كل ما يسيء إلى نفسك فيخبثها ويدرنها ويعفنها، وذلك كل إثم من الآثام، والإثم إما تركك واجباً وأنت قادر على فعله، أو ارتكابك محرماً من المحرمات.

    وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا [النساء:110]، أي: ما يسيء إلى نفسه، أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ [النساء:110]، أي: يعمل سوءاً مع غيره، كأن يكذب أو يضرب أو يظلم غيره، أو يظلم نفسه بارتكاب محرم، إما بترك واجب أوجبه الله، أو بغشيان محرم حرمه الله تعالى، عقيدة كان أو قولاً أو فعلاً، وتذكرون قصة بني أبيرق وعلى رأسهم طعمة، والآيات تدور عليهم.

    فانظر كيف تجلت رحمة الله تعالى فقال لهم: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ [النساء:110]، أي: منكم يا بني أبيرق ومن شارك في الإثم ووقف إلى جنبكم، فبابنا مفتوح فاستغفروا الله تجدوا الله غفوراً رحيماً.

    هذه الجماعة التي ارتكبت أكبر جريمة وهي السرقة، ثم اتهمت اليهودي بالسرقة، واستطاعوا أن يجذبوا رسول الله إليهم، وكاد أن يوافقهم على دعواهم ويقطع يد اليهودي، لكن الله سلم فأنزل هذه الآيات، وفضح أولئك المنافقين، ومع هذا فتح لهم باب الرحمة.

    و (مَن) في الآية تفيد العموم، سواء ارتكب هذا السوء أبيضاً أو أسوداً، ذكراً أو أنثى، عربياً أو أعجمياً، وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا [النساء:110]، أي: مع أي مؤمن أو مؤمنة، كأن يأخذ ماله أو يسبه أو يشتمه أو يكذب عليه أو يفتري عليه، أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ [النساء:110] أي: بارتكاب محرم أو ترك واجب، ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ [النساء:110]، أي: يتوب توبة نصوحاً، ويكثر من الاستغفار، ولا يفارقه الندم، ويطلب العفو ممن جنى عليه أو اعتدى عليه، وهذه التوبة عبر عنها بالاستغفار، فلا بد من التوبة والرجوع إلى الصواب، والرجوع إلى الحق، فإن كان بينه وبين أخيه يطلب سماحاً منه ومعذرة وعفواً، ويعطيه ما أخذه منه، يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:110]، أي: من شأنه هذا فإنه يجد الله غفوراً رحيماً، وبالتالي لا تخف أن تقول: أغلق باب التوبة في وجهي، إذ ما من مؤمن ولا مؤمنة يعمل سوءاً وهو الإثم الضار الفاسد، أو يظلم نفسه بالذات، بأن يرتكب ما حرم الله، ثم يستغفر الله نادماً راجعاً إلى الصواب عائداً إلى الحق، ويواصل الاستغفار والتوبة، فإنه يجد الله غفوراً له رحيماً به، يغفر زلته ويرحمه، وعليه ففتح الله لهم باب التوبة إلا من رفض منهم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088530148

    عدد مرات الحفظ

    777154439