إسلام ويب

تفسير سورة النساء (63)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • نهى الله عز وجل عباده عن التناجي، وبين لهم أن التناجي خصلة ذميمة إلا في حالات معينة، فقد استثنى من مواطن الذم أن يكون التناجي للأمر بالصدقة على الفقير والمسكين، أو يكون للأمر بالمعروف والخير، أو يكون لغرض الإصلاح بين المتخاصمين، سواء كانوا قبيلتين أو طائفتين أو رجلين، فهذا كله من باب التعاون على البر والتقوى والتناجي بالمعروف لنفع العباد.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فاللهم حقق رجاءنا إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.

    وها نحن مع سورة النساء المكية المدنية الميمونة المباركة، ذات الأحكام والقوانين الإلهية، ومعنا الليلة هاتان الآيتان، فهيا بنا نردد تلاوتهما، فأنا أجهر وأنتم في أنفسكم، ثم نأخذ في شرحها وبيان هداية الله تعالى منها، وتلاوة الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا * وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:114-115].

    تأملوا -يفتح الله عليكم- في معاني هاتين الآيتين مرة أخرى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا * وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء:114-115].‏

    بيان معنى النجوى

    معاشر المستمعتين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! من صاحب هذين الخبرين؟ الله جل جلاله، إذ هذا كلام ربي تبارك وتعالى الذي أنزله على رسوله وخاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، وهو على مقربة منا، وتلك حجراته، وهذا مسجده، فاسمع الخبر الأول: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ [النساء:114]، ما هي النجوى؟ النجوى: مصدر أو اسم مصدر، ومعناها: المسارة بالكلام، وهي مأخوذة من النجوى التي هي المكان المرتفع، كالذي يأخذ رجلاً من بيننا ويخلو به ويساره، أي: رفعه إليه، فلا خير يوجد قط في أية مناجاة إلا ما استثنى الله عز وجل، وهذا من باب هداية الخلق وإصلاح البشرية، فربهم جل يريد كمالهم وسعادتهم؛ لأنه سيدهم ومولاهم، وخالقهم ورازقهم، وخالق الكون كله من أجلهم، فكيف إذاً لا يريد إكمالهم وإسعادهم؟! لو ما أراد ذلك ما أنزل كتاباً ولا أوحى بوحي ولا بعث رسولاً، بل ولتركهم كعالم الشياطين.

    لا خَيْرَ [النساء:114] نفي كامل، أي: لا يحل لمؤمن أن يخلو بآخر ويناجيه سراً؛ لقول الرسول المفسر المبين: ( لا يتناجى اثنان دون الثالث )، كأن نكون جالسين في مجلس تحت ظل شجرة أو جدار أو منزل، فيأخذ أحدهم الثاني ويخلو به ويناجيه، أي: يساره بالكلام بينه وبينه، فهذه الوضعية حرام؛ لأن المؤمن يتأذى، وقد يقول في نفسه: ماذا يقولان؟ لعلهما يتآمران علي، لعلهما يريدان بي الشر، لعلهم يحجزاني عن الخير ويبعداني عنه، لماذا وأنا أخوهم؟! فهذه التساؤلات في حد ذاتها أذية للمؤمن يتأذى بها، ولذلك فلا يحل أن يتناجى اثنان دون الثالث، ولا أربعة دون الثالث، ولا خمسة دون الرابع، وهذه صورة عامة حفاظاً على مودة المؤمنين وعلى حبهم لبعضهم البعض، وبالتالي كل قول أو عمل، بل أو حركة تحدث في نفس مؤمن أذى فهي ممنوعة في مجتمعنا الإسلامي.

    وفي سورة المجادلة يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المجادلة:9]، أي: بالخير وما يساعدكم على تقوى الله عز وجل.

    وليذكر أهل الحلقة من نساء ورجال أن السياق مازال مع طعمة بن أبيرق وإخوته الذين تناجوا وتآمروا بالليل واتهموا اليهودي بسرقة الدرع، وهو من السرقة بريء، ولكن القرآن كتاب هداية للبشرية كلها ما دامت على سطح الأرض، فلم تُرفع أبداً أحكامه ولا آدابه ولا شرائعه ولا حكمه حتى يرفعه الله عز وجل، والعبرة دائماً بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالسبب في نزول الآيات هو طعمة بن أبيرق الذي هلك في مكة، وذلك أنه سرق درعاً من بيت رجل من المسلمين، فلما سمع كلام الجيران خاف فرماه في بيت يهودي، وتآمر مع إخوانه وقالوا: اليهودي هو الذي سرق، وكاد الرسول أن يقطع يد اليهودي، إلا أن الله أنقذه وبين له الفتنة وأصولها، وقد درسنا هذا فيما سبق، والسياق ما زال مع الحادثة التي تمت في المدينة.

    الأمر بالصدقة مما استثناه الله من النجوى

    لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ [النساء:114]، اللهم إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ [النساء:114]، فمثلاً أنتم جالسون في منزل أو في مكان ما، وفلان فقير محتاج بين أيديكم، فليس من إكرامه أن تقول: يا إخواني! أخوكم جائع أو عاري أطعموه واكسوه؛ لأن المؤمن الحق يتأذى بهذا أشد الأذى، فيتأذى أن يُعلن عن فقره أو حاجته، فإن قيل: يا شيخ! هم الآن يشحتون ويتسولون ويطلبون؟ والجواب: هبطنا وهبطوا معنا فلا عجب، وإلا كان من يمد يده؟ من يسأل غير الله عز وجل؟

    إذاً: من باب إكرام الله لأوليائه، أن من أراد أن يجمع لأخيه ما يفطر به فلا يحل له أن يعلن عن ذلك، بل يناجي هذا وهذا: نجمع لفلان كذا وكذا، وهذه صدقة يجوز فيها المناجاة؛ لأن الله لا يرضى أن يؤذى وليه وعبده الذي ابتلاه بالجوع أو بالعري امتحاناً له ليرفعه أو يزيد من كماله، لذلك لابد أن نحترم هذا المؤمن لما جاع أو عري، فإذا أردنا أن نجمع له فنخفي هذا الكلام ونسره فيما بيننا ونقدم له، فهل فهمتم هذه؟ وهل ممكن أن نعمل بها أو أنها صعبة؟

    الأمر بالمعروف مما استثناه الله من النجوى

    ثم قال تعالى: أَوْ مَعْرُوفٍ [النساء:114]، ما المعروف؟ العرف: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ [الأعراف:199]، العرف والمعروف: كل ما عرفه الله لنا في كتابه أو على لسان رسوله من أنواع البر والخير، وبعبارة أوضح: كل ما أذن الله لنا في قوله أو فعله، كل ما أمر الله بفعله أو قوله، كل ما أمر الله منتدباً مستحباً لعباده أن يأتوه، والمعروف العام ضد المنكر، ومادام قد أذن الله بقوله أو عمله أو أوجبه أو انتدب إليه، فأي معروف أعظم من هذا؟!

    إذاً: المناجاة محرمة، إلا أن تكون في أمرٍ بصدقة وجمعها لمؤمن أو مؤمنة حتى لا يُفضح بين الناس ويؤذى، أو أراد أن يأمر بمعروف، واقتضى الإسرار والمناجاة من أجله فلا بأس.

    الأمر بالإصلاح مما استثناه الله من النجوى

    ثم قال: أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، أراد أن يصلح بين جماعتين، أو بين قريتين، أو بين شخصين، حتى بين الرجل وامرأته، ففي هذه الحالة يناجي من هو أهل للمساعدة على إزالة هذه الجفوة أو على إبعاد هذه الأذية من بينهما، فلهما أن يتناجيا ويتكلما سرياً من أجل أن يصلحوا بين فلان وفلان لوجه الله، وهذا الإصلاح نذكر فيه حديثاً من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو قوله: ( ألا أخبركم بأفضلَ من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إصلاح ذات البين )، أي: إذا كان ما بين فلان وفلان قد تمزق وفسد، فاعملوا على إصلاح ما بينهما، وهذا بيان رسمي ألقاه الرسول علناً فقال: (ألا).

    معشر المستمعين! هل نعمل في هذا الميدان؟ أظن لا، اتركهم يأكل بعضهم بعضاً؛ لأننا هبطنا من علياء السماء، فقد كنا سادة وقادة وهداة، فاحتال علينا أعداء الله فهبطنا، فهانحن في الأرض، وكأن هذا القرآن ما سمعنا به أبداً، أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114]، وكلمة: بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114] أيضاً تشمل حتى الكفار، فلو تنازع كافران يهوديان أو نصرانيان فإننا نصلح بينهما ولا حرج وبسرية ومناجاة؛ لأن لفظ: (الناس) عام، فنحن هداة الخلق نحمل إليهم أنوار السماء ليعيشوا عليها كرماء أصفياء أطهار.

    قالت العلماء: هذه الثلاث جامعة لخيري الدنيا والآخرة، وهي : صدقة، معروف، إصلاح بين الناس، وهذه دعوة لنا معشر المؤمنين أن نتصدق ونفعل المعروف وندعو إليه ونبشر به ونقيم إلى جنب أصحابه.

    وهذه الثلاثة يدلك على خيريتها قوله تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ [النساء:114]، أي: ومن يفعل ذلك المذكور من الصدقة والمعروف والإصلاح بين الناس، بشرط: ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ [النساء:114]، لا لقومية ولا لعصبية ولا لقرابة، وإنما يفعل ذلك طلباً أن يرضى الله عنه، فإن قام بها إلى غير الله ما قبلها الله منه.

    وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ [النساء:114]، أي: حال كونه طالباً لمرضاة الله، ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ [النساء:114]، وابتغى الشيء، أي: طلبه بكل حواسه ومشاعره، فيتجرد عن القرابة، وعن الوطن، وعن القبيلة، وعن الفائدة المادية، فلا يريد إلا الله عز وجل، وهنا لا معنى لفلاسفة الدنيا الذين يقولون: لإصلاح المجتمع، بل يفعل ذلك من أجل أن يرضى الله تعالى عنه، فإذا فاز برضا الله فاز بخيري الدنيا والآخرة، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114]، ألا وهو دار السلام.

    الطريق إلى معرفة الله عز وجل

    معشر المستمعين والمستمعات! لمَ يعمل الناس ولا يريدون بهذا وجه الله وابتغاء مرضاته؟ والجواب: لأن أكثرهم ما عرفوا الله والله العظيم، ومن لم يعرف الله كيف يعمل له؟ كيف يغمض عينيه عن كل هذه المصالح الدنيوية ولا يرى إلا الله عز وجل، فيفعل ذلك من أجله؟ العلة أنهم ما عرفوا الله تعالى، فمن منكم يقول: وكيف نعرف أن فلاناً عرف الله أو لم يعرفه؟ إن معرفة الله عز وجل المعرفة الحقيقية اليقينية تعني: المعرفة بآياته الكونية والتنزيلية، وهذه المعرفة متى ما وجدت أوجدت شيئين في العبد: الأول: الخوف من الله، والثاني: حب الله جل جلاله وعظم سلطانه، فمن لم يعرف الله معرفة حقيقة كما يعرف أمه وأباه، بل أشد، لا يوجد في نفسه من هذا شيء، لا الخوف من الله ولا الحب في الله، ويدلك لذلك أن ترى العبد يخاف الله، فلو قلت له وهو على معصية: أما تخاف الله؟ اضطرب وبكى وصرخ: أستغفر الله وأتوب إليه، فهذا يخاف الله عز وجل، كما قد ترغبه في شيء يحبه الله، ورغب عباده فيه، فما إن يعلمه حتى يكون قد دخل في قلبه من السرور والفرح والبهجة ما لا يقدر قدره إلا الله، وأصبح يعمل بذلك عملاً يؤثره على حياته كلها.

    فإن قيل: يا شيخ! ما الطريقة إلى العلم والمعرفة؟ سمعنا رسول الله يقول: ( إنما العلم بالتعلم )، أي: إنما يحصل العلم لصاحبه بالتعليم شيئاً فشيئاً يوماً فيوماً حتى يعلم، فلمَ ما نتعلم؟ نتعلم القرآن وحفظناه ثم نقرؤه على الموتى! ماذا نتعلم؟ وكيف نتعلم؟ نتعلم أن نعلم الله عز وجل بجلاله وكماله وصفاته، ونعلم محابه، وما أكثر ما يحب الله من الاعتقادات والأقوال والأفعال والصفات أيضاً، ونعلم ما يكره الله تعالى من الاعتقادات والأقوال والأعمال والصفات أيضاً، وهذه المعرفة لا تتأتى بالانتساب إلى الإسلام، ولا بكونه مؤمناً، والله لا تتأتى ولا تتهيأ لعبد إلا إذا طلب، ومن طلب في جد وأخذ يحصل على هذا العلم يوماً بعد يوم حتى يعلم بدون هيهات هيهات.

    إذاً: من يفعل هذه الثلاث التي هي أصول هداية الخلق ابتغاء مرضاة الله، وطلباً لرضا الله؛ لينزله بجواره، لا من أجل قرابة ولا من أجل وطن ولا من أجل أي علة أخرى، وإنما فقط من أجل ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ [النساء:114]، فالله يعده ومن أصدق من الله وعداً وعهداً وحديثاً.

    فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114]، فإذا كان العظيم-الله-يستعظم الأجر فكم يكون هذا الأجر؟! كم تقدرونه؟! إن كوكبكم الأرضي هذا يعطى المؤمن في الجنة أكثر من دنيانا هذه بسبع أو ثمانِ أو عشر مرات، هذا الأجر العظيم هو الجنة دار السلام.

    والآن بعدما عرفنا زادنا الله معرفة أننا لا نتناجى بالسوء والشر والأذى أبداً، وخذوا قاعدة قعدناها لأبنائنا لو كانوا يعملون، فأقول لهم: اسمعوا! إن الكلام الذي لا أستطيع أن أقوله في المسجد النبوي بين الناس لا أقوله في المنزل؛ لأن الكلام الذي تتحاشى أن تقوله بين الناس معناه أنه غير مرضٍ لله تعالى، فتخفيه أنت وتقوله في بيتك، فهل يصح هذا؟ إن المؤمن ظاهره كباطنه، فلا يفكر إلا فيما هو معروف وخير، ولا ينطق إلا بما هو معروف وخير، ولا يتحرك حركة فيعمل إلا فيما هو خير ومعروف، فالمناجاة الخاصة في البيوت والمنازل-وقد شاعت بيننا-تكون ضد الحكومات، ضد الأحزاب والجماعات، ضد المناوئين والمناوئات، فهل المجتمع الإسلامي يكون هكذا؟! ( المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذه ولا يكذبه، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وعرضه وماله )، ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً )، فكيف تسار فلاناً وفلاناً سراً على أن تفعلوا كذا وكذا، أو تجحدوا الخير عنهم وتغطوه وتخفوه بينكم ولا يطلع عليه إخوانكم؟! إن هذه المسالك ليست ربانية ولا إسلامية أبداً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يتناجى اثنان دون الثالث )، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ [المجادلة:9].

    معاشر المستمعتين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! من طلب وجد، فمن أراد أن يعلم علم، ومن أراد أن يعمل عمل ووفقه الله، فقط نقبل على ربنا في صدق، ونسأله هدايتنا وتوفيقنا لما يحبه ويرضاه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088537489

    عدد مرات الحفظ

    777197227