إسلام ويب

تفسير سورة التوبة (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الوفاء بالعهود والمواثيق مبدأ قرآني ومنهج إيماني، وقد أمر الله به عباده المؤمنين ورباهم عليه، حتى أنه لما أعلن براءته وبراءة رسوله والمؤمنين من عهود أهل الشرك، استثنى من ذلك من وفى بعهده منهم، فأمر نبيه والمؤمنين بالوفاء لهم، وإتمام عهدهم إلى مدتهم.
    الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وهانحن الليلة مع فاتحة سورة التوبة -تاب الله علينا وعلى كل مؤمن ومؤمنة- فهيا بنا نستمع إلى تلاوة هذه الآيات منها مجودة مرتلة، ثم نأخذ في شرحها، وبيان مراد الله تعالى فيها.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

    بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ * وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة:1-4].

    اللهم اجعلنا منهم.

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! نعود إلى الآيات التي تدارسناها بالأمس فنسرد على مسامعكم هداياتها، فإنها تذكرنا بالآيات وما تحمله من هدى، قبل الشروع في دراسة هذه الآيات التي سمعنا تلاوتها.

    [ من هداية الآيات:

    أولاً: بيان تفاوت المؤمنين في كمالاتهم وعلو درجاتهم عند ربهم ].

    وهذا لا يشك فيه مؤمن ولا مؤمنة: بيان تفاوت المؤمنين في كمالاتهم وعلو درجاتهم عند ربهم، من أين أخذنا هذا؟

    مداخلة: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال:72].

    الشيخ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال:72]، وهنا بالأمس عرفنا أن الآية في المهاجرين والأنصار.

    الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أولاً هم المهاجرون من أهل مكة وغيرها، آمنوا أولاً، ثم هاجروا ثانياً، ثم جاهدوا بأموالهم وأنفسهم ثالثاً.

    من بعدهم الأنصار الذين آمنوا وآووا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم. فهذه درجة لا تسمو فوقها درجة.

    إذاً من هنا: بيان تفاوت المؤمنين في كمالاتهم وعلو درجاتهم عند ربهم.

    [ ثانياً: أكمل المؤمنين الذين جمعوا بين الإيمان والهجرة والجهاد وسبقوا لذلك وهم المهاجرون الأولون، والذين جمعوا بين الإيمان والإيواء والنصرة والجهاد وهم الأنصار.

    ثالثاً: دون ذلك من آمنوا وهاجروا وجاهدوا، ولكن بعد صلح الحديبية ].

    آمنوا وهاجروا جاهدوا بأموالهم وأنفسهم، ولم يصلوا إلى مستوى الطائفة الأولى؛ لأنهم ما آمنوا ولا هاجروا إلا بعد صلح الحديبية، فالسابقون الأولون، وهؤلاء من أهل الجنة، ولكن دون الأولين في الدرجة.

    [ رابعاً: أدنى أصناف المؤمنين من آمنوا ولم يهاجروا وهؤلاء على خطر عظيم ].

    آمنوا وما هاجروا، هؤلاء دون الأولين، وهم على خطر، والله المنقذ والمنجد؛ لأنهم تركوا الهجرة فقد يترتب على ذلك أن يرتدوا أو يلزمونهم بالكفر والعياذ بالله فيهلكوا.

    [ رابعاً: أدنى -أقل- أصناف المؤمنين من آمنوا ولم يهاجروا وهؤلاء على خطر عظيم ] كما علمنا.

    [ خامساً: وجوب نصرة المؤمنين بموالاتهم ومحبتهم، ووجوب معاداة الكافرين وخذلانهم وبغضهم ].

    هذا دل عليه قوله: إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال:73]، إن لم يوالوا المؤمنون بعضهم بعضاً بالحب الكامل والنصرة التامة مع خذلان الكافرين وبغضهم، إن لم يتم هذا للمؤمنين يتعرضون للفتنة وللعذاب والعياذ بالله، وقد حصل هذا.

    إِلَّا تَفْعَلُوهُ ماذا نفعل؟ الإيمان، والجهاد، والهجرة، وموالاة المؤمنين بحبهم وبنصرتهم في أي ميدان، ومعاداة الكافرين وبغضهم والحرب عليهم، إذا تركتم هذا يخشى أن يقع ما يقع، وقد وقع، ما تمزق شمل المسلمين؟ ما ذلوا، ما هانوا، ما تفرقوا؟

    سبب ذلك: أنهم ما والى بعضهم بعضاً بالحب والنصرة، ولا عادوا الكافرين وأبغضوهم وحاربوهم، فحصل الذي حذر الله منه بقوله عز وجل: إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال:73] والعياذ بالله.

    قال: [ خامساً: وجوب نصرة المؤمنين بموالاتهم ومحبتهم، ووجوب معاداة الكافرين وخذلانهم وبغضهم ] أيضاً.

    [ سادساً: نسخ التوارث بغير المصاهرة والنسب والولاء ].

    كانوا يتوارثون بالمعاقدات والمعاهدات بينهم، بين المهاجرين والأنصار بالمؤاخاة.. تؤاخي شخص وتكتب بينك وبينه صك أنه أخوك ترثه ويرثك، كان هذا في أول الإسلام، ثم نسخ الله ذلك بقوله: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75]، فلا إرث إلا بالنسب والمصاهرة التي هي الزوجة والزوج.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088540777

    عدد مرات الحفظ

    777219243