الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وها نحن مع سورة التوبة -تاب الله علينا وعلى كل مؤمن ومؤمنة-، ومع هذه الآيات، فهيا بنا نسمع تلاوتها، ونتدبر ونتفكر، ثم نتدارسها جميعاً.
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قال ربنا جل ذكره: (وقالت اليهود عزيرُ ابن الله)،
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ 
[التوبة:30]، قراءتان سبعيتان عن
حفص و
نافع .
اليهود معرفون ومعلمون للأبيض والأسود، وهذا الاسم اشتق لهم من قولهم:
إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ
[الأعراف:156] بعد زلتهم الكبرى، وطلب منهم التوبة قالوا تبنا:
إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ
[الأعراف:156]، فمن ثم عرفوا بكلمة اليهود.
ومن غرائب ما هم عليه: أنهم لا يختلطون بغيرهم، فقل ما تتزوج يهودية غير يهودي، أو يتزوج يهودي غير يهودية، وإن صح ذلك وثبت فلمصلحة تعود على الملة اليهودية؛ ليحتفظوا بكيانهم ووجودهم، من أجل أن يسودوا العالم ويحكموه، فهذه آمالهم، ومن هنا اضطروا اضطراراً إلى أن يفعلوا كل منكر وباطل، وأن يستبيحوا كل حرام من أجل تحقيق هدفهم، ألا وهو إعادة مملكة بني إسرائيل.
يقول الله تعالى عن اليهود:
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ
[التوبة:30]، (عزير) تصغير (اعزر)، وهذا التصغير كان من العرب بلغة اليهود؛ فإنه جائز لأنهم كانوا يختلطون بهم، وعزير هذا أحد أنبياء الله عز وجل، وهو الذي جاء ذكره في سورة البقرة، وأن الله أماته مائة سنة ثم بعثه.
ما السر في نسبته إلى الله بين اليهود، إذ قالوا:
عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ
[التوبة:30]؟
القصص والأخبار والروايات كثيرة، كلها عن بني إسرائيل، ليس فيها عن رسولنا شيئاً، أقربها إلى الفهم: أنهم لما غزاهم البابليون واستحلوا ديارهم، وقتلوا علماءهم وأخذوا التابوت والذي فيه التوراة، وضاعت التوراة منهم، فأملاها عليهم عزير؛ لأنه كان يحفظها، فقالوا: هذا لن يكون إلا ابن الله، وإلا كيف يحفظ التوراة، ومعروف مبالغة العوام والضلال ولا عجب في ذلك، فقالوا: هذا ابن الله الذي أوحى التوراة وأنزلها علمه وحفظها، وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراً؛ لأن الابن يفتقر إليه الأب ليقف إلى جنبه ويساعده ويخلفه، والله مالك كل شيء وبيده كل شيء فلا يحتاج إلى ولد، فالولد يحتاج إلى أم، وهل الرحمن خالق الملائكة والإنس والجن يتزوج؟!
فهذه خرافات وضلالات، ومن غريب هذه الضلالات أن قبيلة من قبائل العرب في الجزيرة يعتقدون أن الملائكة بنات الله، وأنه أصهر إلى الجن فتزوج جنية فأنجبت له الملائكة!! واقرءوا سورة اليقطين والصافات ففيها الآية الكريمة.
قالوا: الملائكة بنات الله، اليهود قالوا: عزير ابن الله، والنصارى قالوا: المسيح ابن الله، وكلهم والله! مفترون كاذبون، تعالى الله علواً كبيراً أن يكون له صاحبة أو ولد.
إذاً: هاهو تعالى يبين للمؤمنين فضائح النصارى واليهود؛ ليتحقق كفرهم عندهم، وأنهم كفار يجوز قتالهم، ويجوز التسلط عليهم وأخذ الجزية منهم، فقد أباح الله لنا أخذ الجزية منهم، وأباح لنا قتالهم؛ لأنهم كفار.
قال تعالى:
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ
[التوبة:30]، فالله هو رب العالمين وهذا اسمه العلم على ذاته عز وجل، والنصارى هم الذين ينسبون إلى قولهم:
نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ
[الصف:14]، والآية الكريمة تذكرنا أن عيسى عليه السلام قال في يوم من الأيام:
مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ
[الصف:14]، إما لابسوا البيض أو يقصد الثياب، أو من معنى آخر:
نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ
[الصف:14]، فكل من ينتسب إليهم فهو أنصارى أو نصراني.
وهؤلاء النصارى دعوا إلى ربهم وعبدوا الله قرابة ستين سنة، وهم على الدين الإسلامي الحق بعد رفع عيسى إلى الملكوت الأعلى، وحبيب بن النجار ورسولين المذكورين في سورة يس منهم، فقد بعث بهم عيسى إلى أنطاكية ليعلموهم.
فلما رفع عيسى عليه السلام احتال اليهود على إفساد الديانة المسيحية، فجاء بولس -والعياذ بالله تعالى- حول الإنجيل إلى سبعة أناجيل.. إلى خمسة وثلاثين إنجيل، واستقر الأمر لما ظهرت فضيحتهم وجمعوا الأناجيل وجعلوها خمسة وهي موجودة حتى الآن.
إذاً: أربعة أخماس كلها كذب أضيفت إلى الإنجيل.
فالقرآن الكريم ولا كلمة واحدة محرفة، بل ولا حرف، تقسم بالله على أن القرآن كله كلام الله، والتوراة والإنجيل لا تستطيع أن تقسم على أنها كلها كلام الله، فثلاثة أرباعها كلها باطل.
الشاهد: هو تقرير كفر اليهود والنصارى؛ لأن الذي ينسب إلى الله ما هو منه منزه ومقدس يكون قد كفر بالله عز وجل، فلو تقول: هذا ابن الله كفرت بالله عز وجل ولا شك في ذلك، والذي يقول: هذا أخو الله كافر أيضاً، فالذي ينسب إلى الله ما هو منه منزه يكفر بذلك، فلو ينسب إلى الله العمى أو الجهل أو العرج، أو كذا أو عدم العلم يخرج من الملة وهو كافر، فهؤلاء كفروا بنسبتهم الولد لله عز وجل، والله بريء من ذلك منزه عنه.
قال تعالى:
وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ
[التوبة:30]، والمراد من المسيح هنا عيسى عليه السلام، وسمي بالمسيح، قيل: كانت رجله ممسوحة ليس فيها منخفض فهي متساوية، أو كان يمسح المريض فيشفى، وهو كذلك.
والمسيح ابن مريم عيسى عليه السلام عُلمنا أنه رفع إلى الملكوت الأعلى، وأنه سينزله الله تعالى إلى الأرض مرة ثانية، ورفع إلى السماء وهو ابن ثلاثة وثلاثين سنة، فينزل إن شاء الله قبيل قيام الساعة، ويحج كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( كأني بابن مريم بالروحاء يلبي بحج وعمرة ).. الحديث، ثم يحكم الناس بعد المهدي ويسود الإسلام، ثم ما هي إلا سنيات وتقوم الساعة، يخرج الدجال ويأجوج ومأجوج إلى غير ذلك.
إذاً: قالوا: المسيح ابن الله، نسبوه إلى الله، ثم ما وقفوا عند (ابن الله)، فقد قالوا: ثالث ثلاثة، الله وروح القدس وعيسى هم الإله.
إذاً: تخبطوا في حيرتهم وضلالهم، وهذا شأن من ينصرف عن الحق ويقبل على الباطل يتخبط، قالوا: إن الله ثالث ثلاثة بنص القرآن الكريم:
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ
[المائدة:17].
إذاً:
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ
[التوبة:30]، أي: لا واقع لهذا القول، ولا وجود له، بل أقوال بالفم فقط.
قالوا: عزير ابن الله، وقالوا: إن عيسى ابن الله، بأفواههم فقط، إذ الواقع لا شيء فيه أبداً، تعالى الله أن يكون له ولد أو تكون له صاحبة وزوجة.