إسلام ويب

تفسير سورة الكهف (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لما لاحت أنوار الدعوة المحمدية في مكة، أخذ المشركون يتساءلون عن حقيقتها، وصدق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وبحثوا عمن يأتيهم بما يشفي صدورهم في أمر محمد، فكونوا وفداً وبعثوه إلى يهود يثرب علهم يجدون عندهم جواباً، فأخبرهم اليهود أن يختبروه بسؤاله عن فتية مؤمنين كان لهم شأن، وعن رجل جاب الشرق والغرب وملك الدنيا، وعن الروح، فلما طرحوا هذه الأسئلة على النبي أنزل الله الجواب في سورة الكهف وسورة الإسراء.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    ها نحن الليلة مع فاتحة سورة الكهف المكية المباركة الميمونة، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات، وتلاوتها بعد بسم الله الرحمن الرحيم: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّمًا لِيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا * وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا * فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا [الكهف:1-6].

    تعريف الحمد

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه السورة -سورة الكهف- إحدى خمس سور في القرآن مفتتحة بـ( الحمد لله )، والسور الباقية الفتتحة بالحمد الله هي: الفاتحة، والأنعام، والكهف، وسبأ، وفاطر.

    فما هو الحمد؟ هو الوصف بالجميل الذي اختص به الله عز وجل، و(الله) علم على ذات الله، إذ لكل ذات لها اسم يدل عليها وتعرف به، فما اسم الله عز وجل؟ الله.

    بعض الأحاديث الواردة في فضل سورة الكهف

    وهذه السورة -سورة الكهف- المكية ورد فيها أحاديث تدل على فضلها، منها: ما رواه مسلم: ( أن من يقرأ العشر الآيات من سورة الكهف من أولها يحفظه الله ويقيه من فتنة المسيح الدجال )، فهذا حصن حصين لا يصل إليك المسيح الدجال بفتنته إن تلوتها وقرأتها، وورد أيضاً: ( أن قراءتها ليلة الجمعة يغفر لصاحبها من الجمعة إلى الجمعة. )، وعلى كل السورة ذات فضل، فمن يقرؤها في الجمعة أو في غيرها يستفيد من قراءتها.

    سبب نزول سورة الكهف

    وسبب نزول هذه السورة: لما لاحت أنوار النبوة المحمدية في مكة، أخذ المشركون يتساءلون: ما المخرج من هذا؟ هل هذه الدعوة دعوة سليمة صحيحة؟ هل محمد نبي كما يقول؟ من يجيبنا؟ فكونوا وفداً من شخصين هما: النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط، وكلاهما مات على شركه وكفره، وبعثوا بهما إلى المدينة والمسماة يوم ذاك بـبيثرب؛ حيث يوجد بها طوائف اليهود الثلاث: بنو قريظة، وبنو النضير، وبنو قينقاع، فجاء الوفد فسألوهم: ما تقولون في هذا؟ هل هو نبي كما يقول؟ فقال لهم علماء اليهود: اسألوه عن ثلاث، فإن أجاب عنها فهو نبي مرسل، وإن لم يجب عنها فانظروا رأيكم فيه فهو متقول يقول فقط بلسانه، ما هو بنبي ولا رسول.

    ما هذه الثلاث المسائل؟ الأولى: فتية عاشوا وكان لهم شأن في هذه الحياة وتاريخ، وهم أصحاب الكهف، والثانية: رجل جاب الشرق والغرب، وحكم وساد العالم، وهو ذو القرنين، وقد جاء الجواب في سورة الكهف عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين، وأما المسألة الثالثة فهي عن الروح، وقد جاء الجواب عنها في سورة بني إسرائيل الإسراء، قال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ [الإسراء:85].

    ثم عاد الوفد وجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: نسألك عن ثلاث مسائل، إن أجبتنا عنها آمنا بك واتبعناك، فبضعف الإنسان وهو بشر ليس بملك قال عليه السلام: ( غداً أجيبكم عن سؤالكم )، ونسي أن يقول: إن شاء الله، أي: نسي أن يقول: إن شاء الله غداً أجيبكم عما سألتموه، فعوتب، فانقطع عنه الوحي نصف شهر، أي: خمسة عشر يوماً حتى كرب وحزن، وفرح المشركون وزغردوا.

    وبعد ذلك نزلت سورة الكهف وفيها الإجابة عن الفتية وعن ذي القرنين، وفيها: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24]، أي: إلا أن تقول: إن شاء الله، فما سمع بعد ذلك رسول الله يقول: سأفعل أو سأقول أو سأقدم أو كذا غداً إلا قال: إن شاء الله، وهي سنة لا تغيب عنا، إذ كلما كان في المستقبل نقول: غداً نسافر إن شاء الله، بعد صلاة العشاء نتقابل معكم إن شاء الله، فلا بد من هذا.

    وعزاه ربه وأكرمه وأزال الغم الذي اعتراه فأنزل سورة الضحى، وأقسم الله فيها بقوله: وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى [الضحى:1-3]؛ لأن أم جميل العوراء كانت تقول: محمد مذمماً أبينا ودينه قلينا، فأقسم الله تعالى بما سمعتم فقال: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ [الضحى:3]، ولا قلاك ولا تركك كما تقول أم جميل، وذكره بآلائه وإنعامه عليه.

    إذاً: هذه السورة -سورة الكهف- كانت جواباً لسؤال المشركين من قبل اليهود بالمدينة، فنزلت هذه السورة، وهذا علمنا بها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088537986

    عدد مرات الحفظ

    777199900