إسلام ويب

تفسير سورة الكهف (16)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في رحلة موسى عليه السلام مع الخضر بين الخضر الحكم من وراء الأعمال التي قام بها والتي غابت عن موسى عليه السلام، منها فيما يتعلق بالسفينة حسن تدبير الله لأوليائه بما ظاهره المضرة والعذاب وباطنه الخير والرحمة، ومنها فيما يتعلق بقصة الغلام أن الصلاح والفساد والهداية والغواية بيد الله، وقد يخلق العاصي من الطائع والكافر من المؤمن، ومنها فيما يتعلق بالغلامين وكنزهما وأن صلاح الآباء قد يتعدى نفعه إلى الأبناء، وأن الله يهيء الخير وأسبابه لأوليائه حتى بدون بذل أسباب ذلك منهم.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    ها نحن الليلة مع سورة الكهف المكية المباركة الميمونة، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات، وتلاوتها:

    قال تعالى: قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا * فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا * فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا * فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا [الكهف:70-82].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! ما زال السياق الكريم مع نبي الله ورسوله موسى الكليم عليه السلام، ومع نبي الله خضر عليه السلام، وقد علمتم أن أهل العلم على أن خضر نبي من الأنبياء وليس بولي فقط، كما قد علمتم كيف أن بعض الجهال أو المتعمدين استغلوا كون خضر ولياً، وقد أطلعه الله على الغيوب ليدعو بذلك علم الغيب! مع أن علم الغيب مخصوص بالله عز وجل؛ لقوله تعالى: إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ [يونس:20]، وكذلك قد عرفنا أنه لما سافر خضر مع موسى اشترط عليه ألا يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يخبره، وقبل موسى الشرط ومشى معه ليطلب العلم؛ لأنه تلميذ لـخضر، والذي رغبه في ذلك هو ربه تعالى.

    وقد سأله عندما خرق سفينة لمساكين يستغلونها في البحر، وذلك لما ركب موسى مع خضر، فقال موسى: لم خرقتها؟ ونسي أنه اشترط عليه ألا يسأله، ولكن كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ( ونسي موسى )، والنسيان معفو عنه، رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286].

    ثم مشيا أيضاً فوجدا غلاماً أو طفلاً لم يبلغ سن الحنث أو التبليغ، فمال به جانب الشارع وقتله، فتعجب أيضاً موسى من فعل خضر بقتله هذا الغلام، وقال: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا [الكهف:74]، وهنا قال خضر لموسى: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا [الكهف:75]، لما قلت لي: أرافقك، أمش وراءك، ألتزمك لأطلب العلم الذي تفوقت فيه عني، قلتُ لك: إنك لن تستطيع معي صبراً، وبالفعل ما صبرت، فماذا قال موسى؟

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088485726

    عدد مرات الحفظ

    776957570