إسلام ويب

تفسير سورة الكهف (18)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من علامات الساعة الكبرى التي تكون آخر الزمان خروج يأجوج ومأجوج، فلا يتركون شيئاً من رطب ولا يابس إلا أتوا عليه، ويشربون كل ماء عذب يمرون عليه، وقد احتجزهم الإسكندر ذو القرنين بين سدين عظيمين، حيث بنى بينهما جداراً عظيماً من الحديد والنحاس، فحال بينهم وبين الخلق، فيمكثون خلف هذا الجدار إلى أن يشاء الله خروجهم آخر الزمان، فينقبون الجدار ويخرجون ليعيثوا في الأرض فساداً..
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    ها نحن الليلة مع سورة الكهف المكية المباركة الميمونة، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات، وتلاوتها:

    قال تعالى: قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا * وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا * الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا [الكهف:94-101].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! علمتم فيما سبق أن هذا جواب عن سؤال وجهه المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنهم سألوه عن ذي القرنين، والراجح أن اسمه الإسكندر، وهو باني الإسكندرية، وهو مصري الأصل، وذو القرنين صفة أو وصف له، وله في رأسه ظفيرتان من الشعر.

    وَيَسْأَلُونَكَ [الكهف:83]، فمن السائلون؟ المشركون في مكة، فقد طلبوا السؤال من اليهود في المدينة، وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ [الكهف:83]، أي: لهم، سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا [الكهف:83]، وهذا هو الذي تلوناه الآن وسمعناه.

    ثم قال تعالى في حاله وبيان واقعه: إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ [الكهف:84]، أي: في هذه الكرة الأرضية، وذلك في حدود طاقته، فقد أعطاه الله من القوة المالية وقوة الرجال والجيوش الكثير، وقد غزا شرقاً وغرباً وحكم البلاد، وقد علمتم أن هناك من حكم الدنيا أيضاً -أي: الأرض- مسلمان وكافران، فالمسلمان هما: سليمان وذو القرنين، وذو القرنين قبل سليمان بآلاف السنين، والكافران هما: النمرود وبختنصر.

    كما قلت لكم: لا عجب ولا غرابة في ذلك، فبريطانيا كادت أن تحكم العالم في وقت ما، يقول تعالى: إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا [الكهف:84]، يتوصل به إلى تحقيق أهدافه، فَأَتْبَعَ سَبَبًا [الكهف:85]، أي: كلما ظفر بسبب أضاف إليه آخر.

    بلوغ ذي القرنين أقصى الغرب وما وجده هناك

    حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ [الكهف:86]، أي: حيث تغرب الشمس، إذ الشمس لها مشرق ولها مغرب كما تشاهدون، ومغربها هو المكان الذي تغرب فيه، وليس معناه أنها تدخل تحت الأرض، ولكن كما تشاهدونها تغرب من وراء الأرض، فهو مشى بجيشه يحتل البلاد ويغزو.

    وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ [الكهف:86]، أي: حمْئا، والحمئة بمعنى: الحمأ، وهو معروف، وهو تراب أسود أو طين أسود، ومعنى هذا: أنه انتهى به السير إلى ذلك المكان، ولم يبقى ورائه ما يمشي إليه، وهناك وجد مدينة عند مغرب الشمس، وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا [الكهف:86]، أي: كافرين، فأُمر بغزوهم وإدخالهم في الإسلام، قال تعالى عنه: قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ [الكهف:86]، لو ما كان نبياً فكيف يناديه الله تعالى؟! فنبوته أوضح من أنه ولي، فهو نبي وملك، ونداء الله له دليل على ذلك، يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ [الكهف:86]، بالوحي، سواء بجبريل وإلا بالإعلام القلبي، إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا [الكهف:86]، وهذا كالاختبار له، بمعنى: سلطناك على هؤلاء المشركين الكافرين، فإما أن تعذب، وإما أن تتخذ فيم حسناً وشفقة ورحمة وتعليماً وهداية، فبماذا أجاب عليه السلام؟

    قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ [الكهف:87]، أي: بالشرك والكفر والاعتداء والإثم، فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا [الكهف:87]، أي: فضيعاً شنيعاً، وهذا جواب نبي لا جواب صعلوك عسكري، أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ [الكهف:87]، هو مع عون الله تعالى له ومعه جيشه، ثم يرد بعد موته إلى ربه، فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا [الكهف:87]، أي: فضيعاً بشعاً.

    وَأَمَّا مَنْ آمَنَ [الكهف:88]، بأن لا إله إلا الله، وأن ذا القرنين نبي الله، ودخل في الإسلام، وَعَمِلَ صَالِحًا [الكهف:88]، أي: أقام شرع الله وعبده، فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى [الكهف:88]، وفي قراءة لـنافع: ( فله جزاءُ الحسنى )، والحسنى هي الجنة، وقراءة حفص: جَزَاءً الْحُسْنَى [الكهف:88]، تمييز للجزاء، أي: الجنة، وسنقول له من أمرنا يسراً [الكهف:88]، أي: الرفق واللين والعطف والتعليم والهداية، وهذا كلام طيب، وهو كلام ذي القرنين الأسكندر باني الإسكندرية.

    ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا [الكهف:89]، أي: واصل الزحف والمشي بجيوشه، ثم أتبع سبباً إلى أين؟

    بلوغ ذي القرنين أقصى الشرق

    حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ [الكهف:90]، وذلك أنه عاد من الغرب، إذ قد ما بقيت حرب هناك، وهذا في نظره، إذ وصل إلى هذه المدينة وما ورائها إلا المحيط الأطلنطي، فعاد إلى الشرق يكمل غزوه وجهاده، وليس ذلك سنة ولا سنتين، فالله أعلم بهذه المسافات.

    ثم قال تعالى مخبراً عنهم: وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا [الكهف:90]، أي: حفاة عراة ما بلغتهم الحضارة ولا المدنية، وقد ذكرت لكم أنه يوجد في الأرض من لا يعرف لباس الثياب أبداً، وإنما يمشي عرياناً دائماً، ويستر فرجيه بأدنى شيء.

    كَذَلِكَ [الكهف:91]، أي: كما سمعتم ما أخبر الله تعالى به، وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا [الكهف:91]، والله هو العليم الخبير، فهذه حاله، وقد أخبر الله بها وهو محيط بها بعلمه وقدرته سبحانه.

    ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا [الكهف:92]، أي: واصل الزحف.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088454814

    عدد مرات الحفظ

    776834000