إسلام ويب

تفسير سورة الكهف (20)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن علم الله عز وجل وكلماته لا حصر له، ولا يحيط به أحد من خلقه، وإنما يرسل الله الرسل ليبلغوا عنه سبحانه وتعالى ما شاء لهم أن يبلغوه، وينذروهم لقاء الآخرة والوقوف بين يدي الله سبحانه، فمن آمن وعمل الصالحات نجا وأفلح، ومن أعرض عن آيات ربه وكذب بها خاب وخسر، وكان مصيره نار جهنم خالداً فيها.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    ها نحن الليلة مع سورة الكهف المكية المباركة الميمونة، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات، وتلاوتها:

    قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا * قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا * قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:107-110].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! لما ذكر تعالى جزاء الكافرين الذين كفروا بالله واتخذوا آياته ورسله هزواً، ذكر هنا جزاء المؤمنين المتقين، إذ إن القرآن ترغيب وترهيب، فيرهب من عذاب الله ويرغب في نعيم الله تعالى، فالراهبون يخافون ربهم فلا يعصونه، وبذلك يسعدون ويكملون، وغير الراهبين المتعنترين والمعاندين مصيرهم جهنم وبئس المصير.

    فقول ربنا جل ذكره في هذا الخبر العظيم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف:107]، إنه خبر عظيم، فمن المخبر؟ إنه الله عز وجل، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [الكهف:107]، ما لهم؟ أخبرنا عنهم يا رب؟ قال: كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف:107].

    معشر المؤمنين والمؤمنات! الإيمان والعمل الصالح دائماً شرط في دخول الجنة، ومن تتبع القرآن بكامله يجد: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ... [لقمان:8]، وذلك في آيات عديدة، وقد عرفتم سر ذلك وأصبحتم عارفين، وهو أن الإيمان والعمل الصالح يزكيان النفس البشرية فيطيبانها ويطهرانها فتصبح كأرواح الملائكة، وهؤلاء يسكنون الجنة بفضل الله تعالى، وأهل الكفر والشرك والمعاصي نفوسهم خبيثة عفنة منتنة، وهؤلاء يسكنون والعياذ بالله مع الشياطين في الجحيم.

    إذاً الإيمان بالله والعمل الصالح أداة لتزكية وتطهير النفس، وهنا لا بد من تحقيق الإيمان بالله تعالى، ولا بد من العمل الصالح الذي شرعه الله لتزكية النفوس، ولا بد من فعله كما بين رسول الله بلا زيادة ولا نقصان حتى يثمر هذه الثمرة، فيزكي النفس البشرية ويطهرها، واذكروا قول الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]، فنسب التزكية إلينا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ [الشمس:9]، زكى نفسه، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10]، كيف نزكي أنفسنا يا ربنا؟ آمنوا واعملوا الصالحات فتزكو نفوسكم، وكيف تتدسى نفوسنا؟ اكفروا واعملوا المحرمات والسيئات تتدسا نفوسكم، وهذه سنة الله التي لا تتبدل.

    إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف:107]، أي: دار إضافة وتكريم، ومنزل إكرام وإنعام، وهنا أسمعكم ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفردوس وتأملوا! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( جنان الفردوس )، والجنان جمع جنة، والفردوس هي أعلى الجنة وأوسطها، ( جنان الفردوس أربع )، أي: جنان جنة الفردوس أربع، وهذه الفردوس هي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس )، ومع الأسف ضيعنا هذا، ( إذا سألتم الله تعالى الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلاها وأوسطها )، ( جنان الفردوس أربع: ثنتان من ذهب، حليتهما وآنيتهما وما فيهما )، أي: حليتهما وآنيتهما وما فيهما كله من ذهب، ( وثنتان من فضة، حليتهما وآنيتهما وما فيهما، وليس بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء )، أي: ليس بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء.

    إذاً عرفنا أن الفردوس ليست جنة واحدة، وإنما هي أربع جنان، وهي أعلى الجنان، وهي جنتان حليتهما وآنيتهما من ذهب، وجنتان حليتهما وآنيتهما من فضة، فهذه هي الحقيقة، والحديث في الصحيحين.

    وهذا حديث آخر: يقول صلى الله عليه وسلم: ( الجنة مائة درجة )، أتعرفون الدرجات؟ طابق فوق طابق، ثم قال: ( ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض )، أي: الجنة درجات، وما بين الدرجتين السفلية والعلوية فوقها كما بين السماء والأرض، والحديث أيضاً في صحيح البخاري، ( ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، الفردوس أعلاها، ومنها تفجر أنهار الجنة، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس )، اللهم إنا نسألك الفردوس يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الفردوس يا رب العالمين، لنا ولآبائنا ولأمهاتنا وللمؤمنين، اللهم إنا نسألك الفردوس يا رب العالمين، واجعلنا من أهله يا حي يا قيوم!

    إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف:107]، أي: مقر ضيافة وإكرام وإنعام.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088464160

    عدد مرات الحفظ

    776883298