إسلام ويب

تفسير سورة يوسف (23)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بعد أن قص الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قصة يوسف بتفاصيلها، وما حصل فيها من أحداث في البادية والمدينة، وفي البئر والقصر، وفي السجن وعلى كرسي الملك، بعد ذلك أخبره أن هذا كله من الغيب المحض الذي لا يعلم إلا بطريق الوحي، ثم يخبره سبحانه أن أكثر الناس لا يؤمنون، وإذا آمنوا فإنهم يشركون مع الله ما يعبدون من الأصنام والأوثان.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة يوسف الكريم ابن الكريم ابن الكريم، وها نحن مع هذه الآيات، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوتها مجودة مرتلة، ونتدبر ونتفكر ثم نتدارسها إن شاء الله.

    قال تعالى: ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ * وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ * وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:102-106].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ [يوسف:102] المخاطب هنا النبي صلى الله عليه وسلم.

    أي: ذلك الذي قصصنا عليك من قصة يوسف وما فيها من أحداث محرقة ومشرقة ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ [يوسف:102]، فلو لم تكن رسولاً نبياً ما كان أبداً من شأنك أن تقص هذا القصص.

    فالذي يصغي ويستمع قصة يوسف ويعلم على من نزلت يحلف بالله على أن محمداً رسول الله، والمشركون يترددون والكافرون معرضون!

    ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ [يوسف:102] وأخباره العجيبة الغريبة نُوحِيهِ إِلَيْكَ [يوسف:102] بواسطة الوحي، فإما أن يأتي جبريل عليه السلام بالسورة أو الآيات، أو يلقي الله تعالى في روع رسول الله فيفهم عن الله.

    معنى قوله تعالى: (وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون)

    وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ [يوسف:102] أي: بين أيديهم في مجلسهم حاضراً بينهم إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ [يوسف:102] ومن هؤلاء؟

    إنهم إخوة يوسف الأحد عشر رجلاً، وهل عاصر النبي صلى الله عليه وسلم يوسف ويعقوب وبينهما آلاف السنين؟

    من أين له وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب أن يقص هذا القصص لو لم يكن وحياً أوحاه الله إليه؟

    وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم على أن يقتلوا يوسف أو يبعدوه من أبيه أو يلقوه في غيابة الجب، وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ [يوسف:102] ويكيدون ويدعون أنهم يريدون أن يخرجوا به للتنزه وليشم رائحة الصحراء، يقولون لأبيهم هذا ليسمح لهم بأن يخرجوا بيوسف.

    فحال هذا المكر هل كنت حاضراً يا رسولنا؟ هل كنت بينهم؟ لا. إذاً: من أعلمك؟ الله.

    إذاً: أنت رسول الله، فالآية تقرر أن محمداً رسول الله، ولا ينكر هذا إلا أحمق أو مجنون أو ميت الضمير والعقل.

    ذلك الذي سمعت من السورة من أولها إلى هذه الآية من أنباء الغيب نوحيه إليك يا رسولنا، وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ [يوسف:102] عندهم وبينهم في الوقت الذي أجمعوا فيه أمرهم على أن يبعدوا يوسف من أبيه.

    وقد عرفنا سبب هذا الإبعاد: إنه الحسد، كيف يبلغ يوسف هذا المبلغ من أبيه فيظفر بوجه أبيه ونحرمه نحن؟ يظفر بحب أبيه ونحرمه نحن؟

    حملهم الحسد على أن كادوا ومكروا والله عليم بمكرهم، والرسول ما كان معاصراً لهم ولا في ديارهم، ولكن الله أعلمه ليقرر بذلك نبوته، وأنه حقاً رسول الله؛ فيجب على كل ذي عقل أبيض أو أصفر أن يؤمن بأن محمداً رسول الله، وإلا فكيف يقص هذا القصص؟ مستحيل لو لم يكن نبياً ورسولاً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088524792

    عدد مرات الحفظ

    777126369