بعد اجتماع إخوة يوسف وتآمرهم عليه واتفاقهم على أن يجعلوه في غيابة الجب طلبوا من أبيهم أن يترك يوسف يخرج معهم إلى البر كعادتهم للنزهة، ولما رأوا تردد أبيهم في ذلك ألحوا عليه إلحاحاً شديداً فبين لهم سبب تردده وأنه يخاف عليه من عادية الذئب، فأعطوه العهود والمواثيق الغلاظ أنهم سيحمونه من أي شر يمكن أن يمسه، ذلك أنهم رجال لا تنقصهم الكثرة ولا القدرة.
فأجابهم يعقوب عليه السلام بقوله:
قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ 
[يوسف:13]، ذهابكم به يوجد في نفسي حزناً، فالحزن والألم بسبب فقد محبوب أو إصابة مكروه، والله! ليحزنني ذهابكم به، ولكن ماذا أصنع وأنتم أولادي؟
ثانياً:
وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ
[يوسف:13]، مجرد الذهاب به وفصله عني وإبعاده عني يحزنني، لكن كيف أيضاً إذا أكله الذئب أو مات أو هلك؟
إِنِّي لَيَحْزُنُنِي
[يوسف:13]، أي: يدخلني في حزن وهم وغم.
والحزن جائز، والرسول صلى الله عليه وسلم لما توفي ولده إبراهيم قال: ( إن العين لتدمع، والقلب ليحزن، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون )، لكن ليس بحزن دائم؛ لأن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
إذاً قال:
وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ
[يوسف:13]، ما الذئب هذا؟
وبالمناسبة أذكر لأهل الحلقة قصة سعيد أكيلة الذئب، هذا سعيد أكيلة الذئب من صحراء المغرب، وقعت قصته قبل الدولة السعودية وقبل أيام الأشراف، تسلط عليه ذئب فكاد يقتله ومزق جسمه، فأدركته والدته حياً فقالت: يا رب! إن حيي سعيد ولم يمت فهو لك، أبعث به إلى حرمك يخدمك، وبالفعل سلم وما مات، وكان وجهه كما رأيناه، وجيء به إلى مكة فبيع عبداً أيام كانوا يسرقون العبيد.
والشاهد عندنا: أننا كنا نحبه، فعرفنا أن الحب لله وليس هو الحب لجماله ولا للمال، والله! إنه لأبشع ما يكون في عينيه ووجهه، ونحن نكاد ندخله في قلوبنا من محبته، وكان يأتي من العنبرية وعصاه في يديه يركض طول العام، فسميناه سعيداً أكيلة الذئب، أكله الذئب لكنه ما مات رحمة الله عليه.
والذئب قرئ: الذيب بالتخفيف، وفي قراءة: ذئب بالهمز، والكل صحيح، والذئب مأخوذ من: تذاءبت الريح: إذا ارتطمت يميناً وشمالاً، وقدام وراء، والذئب ماكر خبيث شرس.. هذا شأنه، يأكل الإنسان إلى الآن، لو ظفر بولد لأكله.. أو برجل ميت نائم لأكله، وهو من أشرس أنواع الحيوانات وأشدها أذى، ولهذا قال يعقوب عليه السلام:
وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ
[يوسف:13]، لا أنه بين أيديكم وأنتم تشاهدونه، لا أتهمكم بهذا، ولكن تكونون تلهون وتلعبون.. تطبخون، فتغفلون عنه فيأكله الذئب، فلهذا أنا حزين، ولا أرغب أن أعطيكم يوسف تذهبون به.
معنى الآيات
هداية الآيات
قال المؤلف: [ هداية الآيات:
من هداية الآيات:
[ أولاً: تقرير قاعدة (لا حذر مع القدر)، أي: لا حذر ينفع في رد المقدور ].
لا حذر مع القدر، عمم هذه الكلمة بين الناس: لا حذر مع القدر، أي: لا حذر ينفع في رد المقدور الذي كتبه الله عز وجل، وقد تم هذا في يوسف.
[ ثانياً: صدق المؤمن يحمله على تصديق من يحلف له ويؤكد كلامه ] بالأيمان، وأنتم تشاهدون هذا بينكم، إذا حلف لك مؤمن تصدقه لاعتيادك الصدق ولعيشك عليه، فصدقهم يعقوب لما حلفوا له مع الشك فيهم، ومع هذا ما قال: أنتم كاذبون.
[ ثالثاً: جواز الحزن وأنه لا إثم فيه ]، الحزن جائز، فإذا فقد الإنسان عزيزاً فحزن فلا بأس وليس بحرام، [ وفي الحديث: ( وإنا بفراقك يا إبراهيم
لمحزونون ) ].
هذا ولد نبينا صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية ، مات وهو رضيع؛ إذ كل أبنائه من أولاد خديجة رضي الله تعالى عنها إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية ، وباقي نساء الرسول ما ولدن له لا حفصة ولا عائشة ولا فلانة ولا فلانة، فـخديجة في مكة ولدت أولادها الخمسة بنين وبنات، ومارية القبطية التي أهديت إليه أنجبت له إبراهيم ومات إبراهيم وهو رضيع.
[ رابعاً: أكل الذئب للإنسان إن أصاب منه غفلة واقع وكثير أيضاً ].
أكل الذئب للإنسان إن أصاب منه غفلة كثير جداً، وإن كان في هذه الأيام وجود هذه الأنواع من السلاح يطارده.
والله تعالى أسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.