إسلام ويب

تفسير سورة يوسف (4)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بعد اجتماع إخوة يوسف وتآمرهم عليه واتفاقهم على أن يجعلوه في غيابة الجب طلبوا من أبيهم أن يترك يوسف يخرج معهم إلى البر كعادتهم للنزهة، ولما رأوا تردد أبيهم في ذلك ألحوا عليه إلحاحاً شديداً فبين لهم سبب تردده وأنه يخاف عليه من عادية الذئب، فأعطوه العهود والمواثيق الغلاظ أنهم سيحمونه من أي شر يمكن أن يمسه، ذلك أنهم رجال لا تنقصهم الكثرة ولا القدرة.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع أربع آيات من سورة يوسف، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوتها مجودة.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ * قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ * قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ [يوسف:11-14].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أذكركم بما سبق أن علمتم: أن يهود بعثوا إلى رجال مكة وقالوا لهم: سلوه عن رجل فقد ولده فعمي بصره، من هو هذا الرجل؟ وأين كان؟ من باب الامتحان، فأنزل الله تبارك وتعالى سورة يوسف بكاملها وأحداثها أحداث أربعين سنة.

    وبدأت الأحداث بقول يوسف عليه السلام كما حكى ذلك رب العزة والجلال: يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ [يوسف:4].

    رأى رؤيا منامية وهو في الثانية عشرة من عمره فقصها على والده يعقوب النبي الرسول عليه السلام: يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ [يوسف:4] بعد أربعين سنة تتجلى هذه الحقيقة ويسجد إخوة يوسف بين يديه ويسجد أبوه وأمه كما كان في الرؤيا.

    ويعقوب عليه السلام عرف أن لهذه الرؤيا شأناً عظيماً، فما كان منه إلا أن قال لابنه يوسف: لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا [يوسف:5] ومن ثم أخذ يعقوب لا يكاد يفارقه ابنه يوسف من حبه الذي استولى على قلبه؛ لعلمه بأن له شأناً عظيماً وسيكون نبياً رسولاً وسيكون له شأن عظيم.

    هنا نظر الإخوة -وكانوا أحد عشر أخاً ليوسف- فرأوا انصراف والدهم عنهم فتألموا لذلك وكربوا وحزنوا: قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [يوسف:8] وهكذا اتهموا يعقوب بأنه مخطئ وأنه يسير في الضلال.

    ومن هنا بدأت المؤامرة وبدأ الكيد، فتآمروا سراً الليالي العديدة والأيام: كيف نستطيع أن نجذب وجه والدنا إلينا ونصرفه عن يوسف؟ فكروا فتم بينهم أنهم إما أن يقتلوا يوسف، وإما أن يرموه في الصحراء؛ ليبعد عن والده، ورأوا أن هذا هو الحل، ورأوا ارتكاب أخف الضررين وهو أن يلقوه في بئر، وعزموا على الفعل وعلى التوبة بعد ذلك؛ إذ قالوا: وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ [يوسف:9]، تابوا قبل أن يباشروا الذنب، وهذه حسنة إذ عزموا على التوبة؛ إذ رأوا أن بقاء يعقوب بعيداً عنهم يحزنهم ويكربهم ويذهب ما في نفوسهم، فكيف نتخلص من هذه؟ نبعد عنه يوسف. واتفقوا على إبعاده، قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ [يوسف:10] هذا في المشاورة التي تمت، وبالفعل عزموا على هذا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088545847

    عدد مرات الحفظ

    777241723