إسلام ويب

تفسير سورة المائدة (23)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أنزل الله عز وجل التوراة على موسى عليه السلام لما استقل بنو إسرائيل وخرجوا من سلطان الفراعنة، وجعل فيها الهدى والنور ليحكم بها في الناس النبيون من عهد موسى إلى ما قبل عهد عيسى عليه السلام، ثم كلف سبحانه الأحبار من أهل الكتاب أن يحكموا بما فيه كما حكم أنبياؤهم، ولا يخشون أحداً من الناس وإنما يطلبون بحكمهم وجه الله والحق، فلما جاء عيسى عليه السلام أنزل عليه الإنجيل مصدقاً لما في التوراة وأمره أن يحكم به، وأمر أتباعه أن يحكموا به من بعده.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، ومع هذه الآيات، لكن أريد أن أذكركم بالآيات قبلها، إذ هي كالسلسة الذهبية متصلة الحلقات، فاسمعوا تلاوة الآيات التي درسناها قبل هذه وتأملوا.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [المائدة:41-43].

    هداية الآيات

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيات:

    من هداية الآيات:

    أولاً: استحباب ترك الحزن باجتناب أسبابه ومثيراته ]، أما قال تعالى موجهاً رسوله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [المائدة:41] من المنافقين واليهود؟

    إذاً: يستحب لنا الاقتداء برسول الله؛ أننا نترك الحزن ونبتعد عنه؛ وذلك بترك أسبابه واجتناب مثيراته.

    [ ثانياً: حرمة سماع الكذب لغير حاجة تدعو إلى ذلك ]، إن دعت الحاجة إلى أن تسمع في حادثة معينة، في قضية معينة وهم يسمعونك الكذب الذي قيل فلا بأس، أما بدون حاجة تستدعي أن تسمع فلا يحل لنا أن نسمع الكذب، سواء كان في صحيفة أو جريدة أو في إذاعة أو في مجلس أو من محب، من أين أخذنا هذه الهداية؟ من قوله تعالى: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ [المائدة:42]، وهذا ذم لهم وتقبيح لحالهم وسوء فعالهم: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ [المائدة:42]، هل المؤمنون الصادقون سماعون للكذب؟ الجواب: لا، وإن ابتلي المؤمنون بذلك حين لم يعرفوا الطريق، يجلسون الساعة والساعات وهم يسمعون الأباطيل والأكاذيب، وما سبب ذلك أنهم ما عرفوا.

    [ ثالثاً: حرمة تحريف الكلام وتشويهه للإفساد ]، حرام على مؤمن أن يحدث أو يتكلم بكلام ويحرف بعض التحريف أو يلوي لسانه حتى ما يأتي به على الوجه المطلوب، هذا المسلك يفعله اليهود وحرمه الله علينا، ذمهم بذلك وقال: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ [المائدة:41].

    [ رابعاً: الحاكم المسلم مخير في الحكم بين أهل الكتاب، إن شاء حكم بينهم وإن شاء أحالهم على غيره ]، القاضي المسلم إذا تحاكم إليه يهوديان أو نصرانيان أو كافران فهو مخير، إن شاء أن يحكم بينهم حكم، وإن شاء أن يتركهم تركهم، إذ لا خير فيهم.

    [ خامساً: وجوب العدل في الحكم ولو كان على غير المسلم ]، لقوله تعالى: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [المائدة:42]، ما أنت بملزم بأن تحكم بين يهود ونصارى، لكن إن حكمت فاحكم بالعدل؛ لأن الله يحب العدل وأهله.

    [ سادساً: تقرير كفر اليهود وعدم إيمانهم ]

    فدلت الآية على هذا وقررت كفرهم وعدم إيمانهم، إذ قال تعالى: وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ [المائدة:43]، وصدق الله العظيم. والآن مع الآيات التي نتدارسها الليلة إن شاء الله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088532658

    عدد مرات الحفظ

    777170887