إسلام ويب

تفسير سورة الأنفال (3)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كانت معركة بدر أول معركة حقيقية بين أهل الإيمان وأهل الكفر، وقد كانت معركة على غير ميعاد بين الفريقين، فلم يخرج فيها مع رسول الله إلا نفر قليل ليس معهم كثير سلاح، ولكن الله عز وجل هيأ هذا الأمر ليستيقن الذين آمنوا أنهم إنما ينتصرون بنصر الله لهم وتأييده، حيث أمد المؤمنين بالملائكة يقاتلون معهم المشركين، وألقى في قلوب الذين كفروا الرعب، وأمن عباده المؤمنين حتى إن أحدهم كان ينام فيسقط السيف من يده ثم يتناوله ويقاتل به من جديد.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة الأنفال المدنية المباركة الميمونة، ومع أحداث غزوة بدر، فلنصغ مستمعين لتلاوة هذه الآيات التي سندرسها إن شاء الله مرتلة مجودة أولاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ [الأنفال:9-14].

    سبب غزوة بدر

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! بالأمس في مثل هذا الوقت كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد انتدب بعض أصحابه؛ ليخرجوا معه لاستقبال عير قريش؛ لعلهم يظفرون بها، وهم أحوج ما يكونون إلى الطعام في حصارهم في هذه المدينة، فخرجوا ولما وصلوا وادي ذفران بلغهم أن العير قد نجت، وأن قريشاً قد بعثت برجالها لقتالهم، فاستشار أصحابه، وكان آخر من تكلم المقداد بن عمرو، وقد قال: امض يا رسول الله! فلو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك. فساروا حتى انتهوا إلى وادي بدر، وبدر اسم ماء، وجاء المشركون فعسكروا في الطرف المقابل، كما قال تعالى: أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ [الأنفال:42].

    مناشدة الرسول صلى الله عليه وسلم لربه قبل غزوة بدر

    الآن هيا ننظر بعيون قلوبنا موقفاً وقفه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بداية المعركة، وكأننا والله حاضرون: روى مسلم في صحيحه - ولا كذب فيه- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوم بدر )، أي: في ذلك المكان الذي تجمعت فيه القوات. ( نظر إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وبضعة عشر ). فقد كان أصحابه بين يديه، والعدو أمامه، والرايات ترفرف، وجيش العدو مكون من ألف مقاتل من صناديد قريش وأبطالها. ( فاستقبل القبلة ) صلى الله عليه وسلم. ( ثم مد يديه إلى ربه ) سائلاً ضارعاً. ( فجعل يهتف بربه: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم أتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ). وهذه حقيقة، فلو هلكت هذه العصابة لم يبق من يعبده؛ لأن الإسلام سينتهى. ( فما زال يهتف بربه ماداً يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر الصديق - وزيره الأول- فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، وقال: يا نبي الله! كفاك مناشدتك ربك؛ فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ [الأنفال:9] ). ... الآيات على التو والفور.

    إمداد الله للمؤمنين في بدر بالملائكة

    هيا نجلس مع هذه الآيات التي نزلت استجابة من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم.

    قال تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ [الأنفال:9]، أي: اذكر يا رسولنا! واذكروا أيها المؤمنون! إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ [الأنفال:9]، أي: تطلبون الغوث؛ لينقذكم من تلك الحرب، ولينصركم على أعدائكم وأنتم أقلية ثلاثمائة، والعدو ألف، أي: ثلاثة أضعاف، فَاسْتَجَابَ لَكُمْ [الأنفال:9]. والذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد رفع كفيه إلى الله، وكان يكرر الدعاء قائلاً: ( أنجز لي ربي! ما وعدتني ). فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال:9]. وفي قراءة: (مُرْدَفين).

    وقوله: أَنِّي مُمِدُّكُمْ [الأنفال:9] أي: بنصرتكم والوقوف إلى جنبكم عوناً لكم. بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال:9]، أي: ملك بعد آخر، أتباعاً لبعضهم البعض. وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:126].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088947431

    عدد مرات الحفظ

    780053728