إسلام ويب

تفسير سورة الإسراء (13)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الذين كفروا قلوبهم مريضة، وأفكارهم سقيمة، حملتهم على أن ادعوا لله بنات من الملائكة، واتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسحر والكهانة والشعر لينفروا من القرآن، ويصدوا عن الإيمان، فرد الله عليهم أكاذيبهم وافتراءاتهم بأنه سبحانه الذي يخلق الذكور والإناث، فكيف يجعل الذكور خالصين لعباده ويتخذ الإناث لنفسه، ثم هو سبحانه فرد صمد مستو على عرشه، ولو كان هناك من آلهة غيره إذاً لطلبوا الوصول إلى رضوانه سبحانه في عليائه، وهذا ما لا يكون أبداً، لأنهم أصنام من حجارة وأخشاب.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    فها نحن مع سورة الإسراء المكية المشتملة على كثير من أخبار الرب تبارك وتعالى، وكلها صدق، فهيا بنا نسمع بعض آياتها ونتأملها، ونسأل الله تعالى أن ينفعنا بها، إنه أهل لذلك.

    أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا * قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا * سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا * تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [الإسراء:40-44].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات!

    علمنا مما سبق أن السور القرآنية المكية -التي نزلت بمكة- تعالج العقيدة، وتعمل على إيجاد عقيدة النفس البشرية، يصبح صاحبها حياً يسمع النداء ويجيب، يفعل المأمور ويترك المنهي، وذلك لكمال حياته.

    هذه العقيدة مبناها: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فمن آمن بالله وحده رباً لا رب غيره، وإلهاً لا إله سواه، وعرف من صفات جلاله وكماله: أصبح حياً، ومن آمن بالله يطلب الإيمان برسول الله، ويبحث عنه؛ إذ لا واسطة لنا نتمكن بها من عبادة ربنا وحبه والخوف منه إلا نبوة ورسالة بين أيدينا؛ فرسول الله يبين لنا كيف نعبد الله، كيف نتقرب إليه، بما نصفه، عما ننزهه، فلا بد من أن: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    من آمن بالله ولم يؤمن بالرسول ما آمن بالله، دعوى باطلة؛ إذ لو آمن بالله لطلب وبحث عمن يدله على محاب الله ومكارهه ليتقرب إليه ويتزلف، فكيف إذاً ينكر رسوله الذي علمه ما يعلم عباده من الهدى والخير والحق؟!

    ها هو تعالى في هذه الآية الكريمة يقول: أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا [الإسراء:40]، هذه الآية تقرر نفي تلك التهمة وذلك الباطل الذي راج بين قبائل في العرب، وهو أن لله بنات، هم الملائكة، شاع بينهم وانتشر بواسطة الشياطين أن الملائكة بنات الله، ومن سورة الصافات، يقول تعالى: أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَفَلا تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ * فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الصافات:153-157]، وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ [النحل:57] ، هم يحبون الذكور، والله يعطونه البنات، هبوط هذا في العقل أو لا؟ الذي تكرهونه تجعلونه لله.

    أَفَأَصْفَاكُمْ [الإسراء:40]، هذا الاستفهام للتقريع، للتوبيخ، للتأديب، أَفَأَصْفَاكُمْ [الإسراء:40]، خلص لكم ربكم البنين وجعلها لكم، وجعل لنفسه هو البنات، كيف تفهمون هذا الفهم؟ إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ [الإسراء:40]، والله، قَوْلًا عَظِيمًا [الإسراء:40]، بشعاً قبيحاً؛ إذ يصفون الله بما هو منزه عنه، تعالى الله أن يكون له ولد سواء كان ذكراً أو أنثى، كيف يكون له ولد وهو خالق كل شيء، ورب كل شيء ومليكه؟ إذاً: له زوجة حتى تنجب الولد الذكر أو الأنثى؟!

    هذه بدعة شاعت في بعض القبائل العربية، وهي أن الملائكة بنات الله، فيها نتقرب بهم إلى الله، يعبدون الملائكة؛ ويتقربون بعبادتها إلى الله رب الملائكة، فجاءت آيات كثيرة أبطلت هذه الفرية ومسحتها مسحاً، وهي لا تعقل ولا تقبل، وليس بغريب أن المسيحيين يعتقدون أن عيسى ابن الله، معنى هذا: أن لله زوجة وعيسى ولده، والضلال يهدي إليه الشياطين، إبليس وذريته عزموا على أن يفسدوا قلوب بني آدم؛ حتى يدخلوا معهم دار الوبار، ويخلدوا معهم في جهنم، هم الذين يزينون الباطل ويحسنونه ويخترعونه اختراعات وافتراءات، فأبطل الله هذه الفرية بهذه الآية الكريمة: أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا [الإسراء:40]، يخصكم أنتم بالذكور وهو يتخذ الإناث، فهذه الآية تستل تلك الفرية من قلوب أهلها.

    أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا [الإسراء:40]، فاحشاً كبيراً، ينسبون إلى الله ما هو منزه عنه ومقدس، الملائكة خلقهم الله ليسوا بذكور ولا بإناث أبداً، يعبدونه الليل والنهار طول الدهر بلا نهاية، فكيف يكون في حاجة إلى بنات؟ ثم جرت سنة الله في التوالد أن يكون من ذكر وأنثى، تعالى الله وهو خالق كل الذكور وخالق كل الإناث، هذا معنى قوله تعالى: أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ [الإسراء:40]، يا من تعتقدون أن الملائكة بنات الله، إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا [الإسراء:40].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088531172

    عدد مرات الحفظ

    777163384