إسلام ويب

تفسير سورة الإسراء (3)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • جبل بنو إسرائيل على حب الإعراض، ومقارفة المعاصي والمنكرات، وتكذيب ما جاءهم به الرسل، فكانوا بذلك مستحقين للعذاب المهين المرة تلو الأخرى، فيسلط الله عليهم من يسومهم سوء العذاب كما فعل بهم بختنصر في المرة الثانية، فكان هذا حالهم على الدوام، فمتى عادوا إلى الهداية والاستقامة أنعم الله عليهم واستخلفهم في الأرض، ومتى ما فسدوا واستكبروا أصابهم من الشر والذلة ما يستحقونه، ثم يوم القيامة يرجعون إلى أشد العذاب.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) .

    وها نحن مع سورة الإسراء، فهيا بنا نصغي لنستمع تلاوة هذه الآيات المباركة، ثم نتدارسها والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس.

    إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا [الإسراء:7-8].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! تقدم قول ربنا: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا [الإسراء:4]، هذا قضاء الله في كتاب المقادير الأزلي، وهو أيضاً إعلامه في كتاب التوراة، وأهل التوراة هم اليهود؛ إذ هو كتاب الله الذي أنزله على عبده ورسوله موسى عليه السلام.

    ماذا جاء فيه؟ جاء فيه ما أخبر تعالى عنه بقوله: وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا [الإسراء:4]، والمراد من الفساد: الفسق والفجور، وتعطيل شرع الله، وتحكيم الهوى، والجري وراء الدنيا وأطماعها، والدنيا والهوى وشهوات النفس ورغباتها، هذا أمر مفروغ منه، وتم بالحرف الواحد.

    فقال تعالى: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا [الإسراء:5] أولى المرتين: بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا [الإسراء:5]، وقد تقدم أن المرة الأولى كانت على يد جالوت وقومه، وقد أسقطوا مملكة بني إسرائيل، وهدموا بناءها وقتلوا رجالها وسبوا نساءها وأطفالها قروناً.

    ثم شاء الله بعد ذلك أن يعيد إليهم مجدهم وكمالهم ودولتهم فاجتمعوا حول أحد الأنبياء وهو حزقيل، قالوا له: إلى متى ونحن مشردون في الأرض؟ لم لا نجتمع ونقاتل في سبيل الله، ونسترد دولتنا ومملكتنا؟!

    وقادهم طالوت، وكانت معركة فاصلة، حيث داود الشاب ضرب جالوت بحجر فقصم ظهره وقتله، ومن ثم تكونت لهم دولة وسادت وعظمت على عهد سليمان عليه السلام؛ إذ حكم العالم أربعة رجال في ذلك الوقت، كافران ومؤمنان: بختنصر والنمرود كافران، وسليمان والإسكندر مسلمان، الأرض الموجودة في ذلك الوقت، والسكان على الحياة.

    ثم سادوا وعزوا وطابوا وطهروا عاماً بعد عام وقرناً بعد قرن، ثم مالوا إلى الدنيا والأهواء والشهوات والأطماع والفساد والشر، فخبثوا قروناً أشد الخبث، وتنكروا لكتاب الله وقتلوا الأنبياء، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقتلون سبعين نبياً في اليوم، والسوق عامرة ما فقدت شيئاً.

    فقال تعالى: فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا [الإسراء:5]، ما قال عبادي؛ لأنهم غير مؤمنين ولا صالحين، بل كفرة فجرة مجوس: أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا [الإسراء:5]، فتم كما أخبر الله تعالى.

    ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا [الإسراء:6] أكثر جيوشاً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088519036

    عدد مرات الحفظ

    777084030