أنكر بعض المشركين البعث بعد الموت، وكان في يده عظم قد بلي ففته بين أصابعه، فأنزل الله عز وجل هذه الآيات مخبراً عباده أن الله عز وجل الذي خلق الإنسان أول مرة ولم يك شيئاً قادر على أن يعيد إخراجه بعد أن يكون عظاماً بالية، ثم يحشر المكذبين منهم والعتاة المجرمين مع الشياطين إلى جهنم، وينصب عز وجل الصراط على متنها، فأما المتقون فيجوزونها بفضل الله ورحمته، وأما المجرمون فلا يستطيعون، وفي جهنم يتساقطون، وبئس مقام الظالمين.
تفسير قوله تعالى: (ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حياً)
الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! يخبر تعالى فيقول: وَيَقُولُ الإِنسَانُ [مريم:66]، وهذا الإنسان هو الكافر، المكذب بتوحيد الله ونبوة رسول الله، والمكذب بالبعث الآخر وما يتم فيه.
سبب نزول قوله تعالى: (ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حياً)
ورد أن أبي بن خلف كان قريباً من الصفا، فأخذ عظاماً ففتتها بيديه وقال: يزعم محمد أن هذا يحيا، فسواء كان أبي أو كان الوليد بن المغيرة أو كان العاص بن وائل ، فهذه عامة في كل الكافرين المكذبين بالبعث والدار الآخرة، وإلى اليوم وملايين من البشر في الصين واليابان، وفي أمريكا، في الشرق والغرب لا يؤمنون بالبعث الآخر والحياة الآتية، ومن ثم والله لا خير فيهم، فهم أموات وليسوا بأحياء.
يقول تعالى مخبراً عما يقول هذا الملحد الكافر: وَيَقُولُ الإِنسَانُ [مريم:66]، أي: مستهزئاً ساخراً، منكراً، أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا [مريم:66]، وهكذا المكذبون بيوم القيامة المنكرون للبعث، فهذه لسان حالهم ومقالهم، فيقولون: بعدما نموت ونفنى ونصبح عظاماً هل سنحيا من جديد؟ ويقولون هذا إلا من أجل أن يستمروا على الكفر والخبث والشر والفساد، أما كون عقولهم ما أدركت هذا وما طاقته فهذا لا يقال أبداً، فالذي أوجدك اليوم سيوجدك غداً، بل وجود غداً أسهل من وجود اليوم؛ لأنك وجدت وعرفت وعلمت.
تفسير قوله تعالى: (أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً)
أَوَلا يَذْكُرُ [مريم:67]، (أولا يتذكر)، قراءة سبعية، (أولا يتذكر أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً)، لِمَ ما يتذكر هذا ويستذكره؟
أيها الحاضرون! أيها المستمعون! قبل مائة سنة هل كان موجود بيننا أحد؟!
فلن تأتي مائة سنة إلا ولم يبق منا أحد، فالذي أوجدنا اليوم سيوجدنا غداً، ولا يعقل أبداً إنكار البعث الآخر والتكذيب به، ما دام الخلاق العليم قد خلق وأوجد وأخبر وواعد وعد الصدق أنه سيعيدنا من جديد أحياء؛ لنتلقى الجزاء على العمل في هذه الدنيا -وهذا أيضاً علمناه وتكرر- فلو سئلت: لِمَ خلق الله هذه الحياة الأولى، فبم ستجيب؟
الجواب: الجزاء، ليجزينا بما كنا نعمل، فينبغي ألا يغيب هذا عن أذهاننا، فلو يجتمع علماء الكون كلهم والله ما يعرفون هذا إلا المسلمون فقط، ولو تسأل عن سر بناية هذا المسجد، لقيل لك: للصلاة فيه.
ولو سألت عن سبب صنع العمامة، لقيل لك: لتقيك الحر والبرد.
ولو سألت عن سر هذا الوجود الأولي، لقيل لك: من أجل أن يعبدوا الله عز وجل، وعلة الحياة الثانية ووجودها بعد فناء هذه وإنهائها هو الجزاء على العمل في هذه الدنيا، فمن يعمل صالحاً يجزى به ومن يعمل سوءاً يجزى به.
ثم قال تعالى مخاطباً مصطفاه ونبيه صلى الله عليه وسلم: فَوَرَبِّكَ [مريم:68] أي: يا رسولنا؛ لأن الرسول يؤلمونه بهذا الكفر وبهذا التكذيب ويتحدونه -كما سمعتم-، فهذا يكسر العظم ويقول: أنت تزعم أن هذا يحيه الله؟ فيقول تعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم وكل مؤمن: فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ [مريم:68]، أي: نجمعهم مع الشياطين، فالكافر معه شيطانه، والفاسق والفاجر معه شيطانه مرتبط به.
تفسير قوله تعالى: (ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتياً)
ثم يقول تعالى: ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ [مريم:69]، الشيعة: الفرقة التي تتعاون على الباطل والشر والفساد. الشيعة: أي: الأمة، الجماعة، الجيل الذين تشيعوا وتعاونوا على الباطل والكفر والشرك والفساد.
كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا [مريم:71]، أي: قضاه الله وحكم به وحكمه لا يتخلف أبداً، ولابد من المرور على نار جنهم، ونار جهنم عالم وعالمنا هذا لا يساوي ذرة معه.
تفسير قوله تعالى: (ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً)
ثم قال تعالى: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا [مريم:72]، عندما يمرون على الصراط فوق جهنم ينجي الله الذين اتقوا، فلا تمسهم النار ولا يقعون فيها، فينجيهم من عذاب النار -اللهم اجعلنا منهم-.
وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ [مريم:72] أي: ونترك الظالمين فيها، جِثِيًّا [مريم:72] أي: جاثمين على ركبهم هالكين. وعلة نجاة المتقين في قوله: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا [مريم:72]، أنهم ما عصوا الله، وما خرجوا عن طاعته، وفعلوا ما أمرهم بفعله، واجتنبوا ما نهاهم عن فعله، في العقيدة، في العمل، في القول، في الصفات، وسر ذلك: تقوى الله بالإيمان والعمل الصالح والبعد عن الشرك والكفر، زكت نفوسهم، وطيبت أرواحهم، وأصبحوا أهلاً لجوار الله في الجنة دار السلام، والذين فجروا أنفسهم خبيثة منتنة عفنة، فما زكيت ولا طيبت ولا طهرت، إذاً: مصيرهم الجحيم -والعياذ بالله- وهذه هي الحقيقة.
وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا [مريم:72]، والظلم أبشعه وأقبحه هو الشرك بالله، والظلم وضع الشيء في غير موضعه، فالذين يأكلون ما حرم الله، ويلبسون ما حرم الله، ويقترفون ما نهى الله عنه، ويتركون ما أمر الله به، ووضعوا الشيء في غير موضعه، هم ظالمون، فبدلاً من أن يتزوج يزني، وهذا هو الظلم، وهكذا..
أولاً: تقرير عقيدة البعث والجزاء بالحشر والإحضار حول جهنم والمرور على الصراط ]، فهذه الآيات التي درسناها تقرر عقيدة البعث والجزاء، وتفصلها وتبينها.
[ ثانياً: تقرير معتقد الصراط في العبور عليه إلى الجنة ]، الصراط قررته هذه الآية، وقد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن البشرية تمر فوقه، فالكافرون يسقطون والمؤمنون ينجيهم الله.
قال المؤلف غفر الله لنا وله ولوالدينا أجمعين في الحاشية: [ حاول صاحب التحرير أن يرد مذهب الجمهور في ورود المؤمنين على الصراط كسائر الخلق ثم ينجي الله الذين اتقوا حيث يجتازونه بسلام ويقع فيه الكافرون فلا يخرجون ]. وصاحب التحرير هو التونسي في تفسير ذكر قول الباطل لا قيمة له أن الصراط ليس بحقيقة ولا يمرون عليه.
معاشر الأبناء! أحد الإخوان من أبنائكم في الدرس مريض يشكو ألماً في عينه قال: ادع الله لي بالشفاء، وأحد إخوانكم بنته لها تسعة أشهر في المستشفى طلب منكم أن تدعو له، هيا ندعو والله يستجيب.
اللهم يا أرحم الراحمين.. يا ولي المؤمنين.. يا متولي الصالحين.. يا ذا الجلال والإكرام.. يا أرحم الراحمين! هذه أكفنا قد رفعناها إليك سائلين ضارعين فاشف اللهم ضر هذين المريضين، واشف ضر كل مؤمن ومؤمنة يا رب العالمين.
رب إنك تعلم أنه فينا مرضى وبيننا وفي مشافينا فاشف كل مريض منا، وأعظم أجر المأجورين، وأعلي درجة العالمين يا رب العالمين.
اللهم هذه أكفنا قد رفعناها فلا تردنا خائبين، فاكشف ضرنا وضر كل مؤمن ومؤمنة يا رب العالمين، وزك نفوسنا، وطهر قلوبنا وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
يا ولي المؤمنين تولنا ولا تتركنا، إلى من تتركنا يا رب العالمين؟! فاحفظنا بما تحفظ به الصالحين من عبادك، واحفظ قلوبنا وزك نفوسنا وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.