إسلام ويب

تفسير سورة الأنبياء (14)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ينعي الله عز وجل على الناس في هذه الآيات تقطيعهم لدين الإسلام إلى ملل شتى، وتمزيقه إلى طوائف ونحل، ثم يبين سبحانه وتعالى أنهم راجعون إليه جميعاً بعد الموت، وسوف يجزيهم بما كانوا يكسبون، لأن رجوع كل الخلائق إلى الله يوم القيامة أمر حتمي، وهذا اليوم العظيم له ما يدل عليه من العلامات كخروج يأجوج ومأجوج، عندها يتحسر الكافرون ويندم المكذبون، يوم لا تنفعهم معذرتهم ولا هم يستعتبون.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ * وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ * وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ * حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء:92-97].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قال ربنا عز وجل: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً [الأنبياء:92]. واذكروا ما تقدم في الآيات السالفة، فقد تضمنت ذكر مجموعة من أنبياء الله ورسله، وهم: إبراهيم ونوح ولوط وداود وسلميان وأيوب وذو النون وذو الكفل، وكل هؤلاء دينهم واحد، ألا وهو الإسلام، فكل هؤلاء الأنبياء والرسل دينهم الإسلام. فلما عرض تعالى ذلك العرض لأولئك الأنبياء والمرسلين خاطب البشرية ونحن أول من يخاطبهم قائلاً: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ [الأنبياء:92]، أي: إن هذه ملتكم ملة الإسلام ملة واحدة. فقد عبد به نوح ربه، وعبده به إبراهيم، وعبده به داود وسليمان، وعبده به موسى وعيسى، وعبده به محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الملة بمعنى الدين، وهي عبادات خلق الله تعالى البشرية من أجلها، فالعلة من خلق الإنسان هي أن يعبد الله عز وجل.

    معنى العبادة

    العبادة هي: طاعة الله فيما أمر به وفيما نهى عنه، وهي أعمال القلوب وهي الاعتقادات، وأعمال الألسن وهي الأقوال والذكر والدعاء، وأعمال الجوارح كالصلاة والجهاد.

    ثم تبقى أشياء أحلها لقوم وحرمها على آخرين، أو أن أقواماً فرض عليهم كذا، وفرض على أقوام أخرى، وهذا يعود إلى تربيته لعباده، فهو يشرع لهم ما يصلحهم وينفعهم، فيحل ما يزيد في كمالهم، ويحرم ما يؤذيهم ويضر بهم.

    أما الملة التي هي أن يعبد الله وحده فهي واحدة، واقرءوا هذه الآية الكريمة: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ [الأنبياء:92]. وأمتكم بمعنى: ملتكم ملة واحدة، ألا وهي الإسلام.

    وقد عرفنا الإسلام، فهو: إسلام القلب والوجه لله، أي: أن تسلم قلبك لله، فلا يتقلب إلا في طلب رضا الله، وتسلم وجهك له، فلا تلتفت إلى غير الله، ويتبع ذلك أعضائك، فسمعك وبصرك ويدك ورجلك تكون كلك لله.

    ثم يقول تعالى: وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]، أي: خالقكم ورازقكم ومربيكم، وليس لكم خالق ولا رازق ولا مربٍ غيري، إذاً: فاعبدوني، أي: أطيعوني فيما آمركم به وأنهاكم عنه؛ إذ العبادة هي: الطاعة مقرونة بالخشوع والخضوع، أي: أن تذل لله وتعبده في ذلة وخشوع. فتلكم هي العبادة.

    وقد عرفنا أن سر العبادة هو أن نكمل ونسعد في الحياتين في الدنيا والآخرة. فسر العبادة وعلتها هي أن نكمل ونسعد في الحياة الدنيا وفي الحياة الآخرة التي لا محال من إتيانها.

    فهكذا يقول تعالى هنا يعلمنا، فهو فيقول: اعلموا إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92]. آمنا بالله ولقائه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088532231

    عدد مرات الحفظ

    777168528