إسلام ويب

تفسير سورة الحج (13)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أوجب الله عز وجل على عباده المؤمنين الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإيمان، ووعد من فعل ذلك بالجزاء الحسن، سواء في ذلك من هاجر ثم قاتل المشركين حتى قتل، ومن هاجر ومات حتف أنفه، وكان هذا مثل حال أبي سلمة وعثمان بن مظعون رضي الله عنهما، وهما من نزلت هذه الآيات في وصف حالهما لما دار الحديث بين الناس أنهما بموتهما دون قتال لم يدركا أجر المجاهدين.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن ما زلنا مع سورة الحج المكية المدنية، قال تعالى: وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ * ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [الحج:58-62].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا تعالى: وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ [الحج:58-59]، أولاً: الهجرة هي الانتقال من بلد الكفر إلى بلد الإيمان، وهي واجبة وباقية إلى أن تطلع الشمس من مغربها، لماذا؟ لأن علة خلق الله لنا وإيجادنا هي أن نذكره ونشكره، أي: نعبده، والعبادة لن تخرج عن دائرة الذكر والشكر، فإذا وجد العبد في مكان بين فاسقين فاجرين، بين كافرين ظالمين، ولم يتمكن من عبادة الله بينهم، وجب عليه أن يرحل وأن يخرج من ذلك البلد، وينزل بأرض يتمكن فيها من عبادة الله تعالى، فهذه هي الهجرة، وقيمتها أنها كالجهاد في سبيل الله، فمنزلة المهاجرين كمنزلة المجاهدين، وثواب المهاجرين كثواب المجاهدين، إذ المجاهد يجاهد من أجل أن يعبد الله بالذكر والشكر، والمهاجر يهاجر من أجل أن يذكر الله ويشكره.

    وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الحج:58]، هناك من يهاجر في سبيل الشيطان، فينتقل إلى بلاد الفسق والفجور، أو النفاق والزنا والباطل ليعيش بينهم، ويترك المدينة أو مكة من أجل الدينار والدرهم لا من أجل أن يعبد الله تعالى ويعبده هو بالذكر والشكر، فهذه هجرة للدنيا، وهناك هجرة للآخرة، ونحن مع الهجرة التي هي للآخرة لا للدنيا.

    ويزيد هذا وضوحاً أن أذكر لكم أن للآية سبباً في نزولها، وهي أن عثمان بن مظعون أخ النبي صلى الله عليه وسلم، وأن أبا سلمة ماتا في المدينة في بداية الهجرة، ودفنا في البقيع، فتحدث بعض الناس وقالوا: حرموا فضيلة الجهاد، وماتا حتف أنوفهم، وتحدث بهذا الناس في بيوتهم أو في مجالسهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية المدنية، فقال تعالى: وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا [الحج:58]، ولم يقتلوا، ماذا لهم: لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا [الحج:58]، وهذا الرزق الحسن هو أن أرواحهم تنقل إلى الجنة، وتصبح في حواصل طير خضر ترعى من ثمار الجنة إلى أن تقوم الساعة، فإذا قامت القيامة وعادت الأرواح للأجساد يدخلهم الله الجنة.

    وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا [الحج:58]، وذلك أن أرواحهم الآن في حواصل طير خضر ترعى في الجنة، وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [الحج:58].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088531595

    عدد مرات الحفظ

    777165989