إسلام ويب

تفسير سورة الحج (17)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ينادي الله عز وجل في ختام هذه السورة عباده المؤمنين، آمراً إياهم بإقام الصلاة معبراً عن ذلك بالأمر لهم بالركوع والسجود، وطاعته سبحانه وتعالى بتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه، وإتيان أعمال البر والخير، وجهاد الكفار حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، ثم يمتن عليهم سبحانه بأن وسع عليهم في الدين، وجعلهم على ملة إبراهيم، وسماهم المسلمين، وجعل نبي الرحمة محمداً شاهداً عليهم وجعلهم على الناس شاهدين.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع خاتمة سورة الحج المكية المدنية، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الحج:77-78].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هاتان الآيتان ختام سورة الحج، وهي السورة الوحيدة التي بها سجدتان، بينما السور الأخرى ليس فيها إلا سجدة واحدة، ولم يجمع أهل العلم على السجدة الثانية في هذه السورة، ومنهم الإمام مالك وأبو حنيفة رحمهم الله تعالى، إذ كانا لا يريان أنها سجدة؛ لأن الله قال: ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [الحج:77]، والمراد بهذا الصلاة لا السجود، ومع هذا لو سجدت فزت بالأجر؛ لأنك تسجد لربك وتسبحه وتقدسه وتسأل حاجتك، لكن لو لم تسجد لا يقال أثمت أو تركت سجدة.

    ثم هذا النداء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، كان بعد أن بين تعالى الإيمان بأركانه الستة وبخاصة التوحيد والنبوة والبعث الآخر؛ إذ هذه السورة اشتملت على هذه الحقائق في عشرات الآيات، فلما آمن الناس ودخلوا في دين الله تعالى، وأصبحوا في المدينة ناداهم بنداء الإيمان، أي: بوصفهم مؤمنين، فيا من آمنتم بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً! افعلوا كذا وكذا.

    مرة أخرى: هذه السورة اشتملت على بيان عقيدة الإسلام بأركانها الستة وأعظمها لا إله إلا الله محمد رسول الله، والبعث الآخر، والدار الآتية للجزاء، فلما آمن المؤمنون ناداهم بعنوان الإيمان: يا من آمنتم بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً! افعلوا كذا وكذا.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ، والركوع والسجود هما أعظم أركان الصلاة، فالقيام باعتدال، وقراءة الفاتحة، والجلوس بين السجدتين وغيرها من أركان للصلاة، لكن أعظم أركانها هو الركوع والسجود، وبدونهما فلا صلاة، فلهذا خصهما بالذكر لما فيهما من إظهار الذل والافتقار والحاجة إليه، والعبودية الحقة والطمأنينة لعبادته، ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ، أولاً، وَاعْبُدُوا رَبَّكُمُ ثانياً، وذلك بطاعته فيما يأمر به فيُفعل، وفيما ينهى عنه فيترك، ولا ننسى أن أوامر الرسول من أوامر الله تعالى، ونواهي الرسول صلى الله عليه وسلم من نواهي الله تعالى؛ لقوله تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بما يحب الله تعالى، ولا ينهى إلا عما يكره الله عز وجل.

    وَافْعَلُوا الْخَيْرَ أي: النوافل، وذلك من صلاة وصيام وحج وعمرة وغيرها، إذ كل المستحبات والفضائل تدخل في لفظ: (الخير)، بمعنى: أدوا الفرائض على الوجه المطلوب، ثم تنافسوا وتسابقوا في النوافل، فتؤدي مثلاً فريضة الزكاة وتتصدق طول العام، وتصلي الفريضة ثم تقوم فتتنفل، وتصوم رمضان ثم تصوم ستاً من شوال، وهكذا دعاهم ونحن إن شاء الله منهم إلى أن نفعل الخير، وذلك بعد أداء الواجبات والفرائض، واجتناب المحرمات والابتعاد عن المنهيات، وَافْعَلُوا الْخَيْرَ .

    ثم علل لذلك بقوله: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77]، و(لعل) هذه ليست للترجي والتوقع، وإنما تسمى الإعدادية، أي: ليعدكم بذلك للفلاح، والفلاح كما علمتم هو الفوز، يقال: أفلح فلان، أي: فاز، سواء فاز في تجارته أو في عمله أو في دراسته، وقد فسر تعالى لنا الفوز الحق وأنه البعد عن النار ودخول الجنة دار الأبرار؛ إذ قال تعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]، فهذا هو الفلاح، فإيماننا الذي فزنا به، وإقامتنا للصلاة على الوجه المطلوب، وعبادتنا لربنا بكل ما أمرنا ونهانا، ثم المسابقة في الخيرات وفعلها، كل هذا يعدنا ويهيئنا للفلاح ألا وهو الفوز، والفوز هو البعد عن النار ودخول الجنة دار الأبرار، فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران:185].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088454969

    عدد مرات الحفظ

    776834930