إسلام ويب

تفسير سورة الفرقان (11)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الله عز وجل خالق كل شيء، وهو المتصرف في شئون خلقه، القادر على أن يجمع بين البحر المالح والبحر العذب بقدرته سبحانه، والقادر على أن يخلق من النطفة بشراً سوياً، ثم بعد ذلك يأتي من الناس من يعبد من دونه ما لا ينفع ولا يضر، بل ولا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، فتعالى الله عما يفعل الظالمون علواً كبيراً.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن ما زلنا مع سورة الفرقان المكية، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    قال تعالى: وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا * وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا * وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا * وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا [الفرقان:51-56].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا [الفرقان:51]، المراد من القرية: العاصمة والحاضرة والمدينة، لا القرية في اصطلاح الجغرافيين المعاصرين، كلمة القرية في القرآن: المدينة، وحسبكم قول الله تعالى: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى [الشورى:7]، ألا وهي مكة.

    يقول جل ذكره: وَلَوْ شِئْنَا [الفرقان:51]، نحن رب العزة والجلال والكمال لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ [الفرقان:51] أي: مدينة نَذِيرًا [الفرقان:51]، ينذرهم عاقبة الشرك والكفر، ويخوفهم ما يصيبهم من البلاء والشقاء في الدنيا والأخرى؛ إذ النذير رسول، يبشر المؤمنين وينذر الكافرين.

    وفي هذه الآية الكريمة: إعلان عن رفعة شأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعن كماله؛ لأنه تعالى كان يرسل في كل أمة رسولاً نذيراً، ثم ختم الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فلم يرسل بعده رسولاً، وجعله كافياً في دعوة البشرية جميعاً.

    وتمضي الأيام والأعوام ويتجلى هذا الأمر بوضوح، فقبل أيام كان الإقليم لا يدخله الإنسان إلا بشق وتعب وآلام والآن العالم بأسره شرقاً وغرباً كأنه قرية واحدة، وأنتم تسمعون الإذاعات وأصوات المذيعين.

    علم الله عز وجل أن العالم سيتقارب وسيصبح كمدينة واحدة، فمن ثم اكتفى برسول واحد وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكما قلت لكم في الآية: إعلان عن إكمال الرسول وكماله وعلو شأنه ورفعته؛ لأنه قام مقام آلاف الرسل ومئات الرسل، هذا الذي يسد حاجات البشرية كلها كأنه ألف رسول، فدل هذا على علو مكان رسولنا وعلو شأنه بين الأنبياء والرسل.

    وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا [الفرقان:51]، ينذر قومها حتى يتخلوا عن الشرك والكفر والمعاصي؛ ليكملوا في دنياهم ويسعدوا في آخرتهم، ولكن اكتفينا بإرسالك أنت مبشراً ونذيراً للعالم أجمع.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088471636

    عدد مرات الحفظ

    776906156