إسلام ويب

تفسير سورة عبس (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن عتاب الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن إنما هو عتاب المحب لحبيبه، ومن ذلك عتابه سبحانه له في حادثة إعراضه عن الأعمى ابن أم مكتوم، وذلك حين كان مشغولاً بدعوة رءوس قريش وصناديدها، مبيناً له أنه مسئول فقط عن الدعوة والتبليغ، وليس عليه هداية المكذبين المستكبرين، فمن شاء منهم أن يقبل الحق ويؤمن به فالمنفعة له، ومن أعرض وكذب بالحق لما جاءه فالويل والسعير ينتظره.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    عدد آياتها ومكان نزولها

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن سورتنا اليوم لسورة مباركة ميمونة، إنها سورة عبس.

    وآياتها اثنتان وأربعون آية.

    والسورة مكية، ومرحباً بالمكيات والمدنيات. المكيات: يعالجن العقيدة.

    والمدنيات: يعالجن العبادة والآداب والأخلاق والسياسة في الحرب والسلم، يعالجن كل ما من شأنه أن يكمل عليه الإنسان ويسعد، فهي سور تشريع؛ لأنها نزلت بالمدينة بعدما وجدت الدولة الإسلامية، وارتفعت رايتها عالياً.

    أما المكيات وما أكثرهن فمهمتهن العقيدة.

    وأعيد إلى أذهان السامعين والسامعات، أعيد إلى أذهان الجميع أن العقيدة بمنزلة الروح للجسم، أيما جسم دخلته الروح حيي، وأصبح صاحبه يعي ويعقل يفهم.. يتكلف وينهض.. يعطي ويأخذ.. ويقبل ويرفض؛ حي، فإن فقد العقيدة فهو ميت.

    ولهذا لا نكلف ذمياً في بلادنا بأن يغتسل ولو من الجنابة، لا نكلف ذمياً من أهل الكتاب أو المجوس يعيش في دولة الإسلام ولو بقلم أظافره لا يقدر؛ ميت، فكيف نكلفه بالصيام أو بالجهاد أو بالإنفاق؟ لا والله، بل يعتبر من الأموات، فإذا نفخنا فيه الروح، وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله عندئذ كلف، أخوك حي.

    إذاً: والسور المكية تعمل على إيجاد العقيدة فيمن انعدمت منه، كما تعمل أيضاً على تصحيح العقيدة فيمن وجدت وفسدت فيه، وتعمل على تقويتها وازدياد طاقتها وقدرتها فيمن كانت عندهم عقيدة ضعيفة. إذاً: فلا يخلو سامع ولا سامعة إلا وينتفع بالسور المكية متى آمن وأقبل.

    إذاً: والآيات المباركات التي ندرسها في هذه الأمسية بإذن الله تعالى تلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى * كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ [عبس:1-16] إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني المبارك الكريم.

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! السورة مكية. أي: نزلت في مكة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيها حامل راية الدعوة إلى الله.

    سبب نزول سورة عبس

    ولاحظوا المنظر التالي! في المسجد الحرام في تلك الديار المقدسة والوادي الأمين كان النبي صلى الله عليه وسلم يتصدى لابني ربيعة: شيبة وعتبة ، والعباس بن عبد المطلب وأبي جهل وغيرهم من رجالات قريش الذين يرجو الرسول صلى الله عليه وسلم بهدايتهم أن يهتدي أهل الوادي؛ لأنهم زعماء ورؤساء متبوعون، فإذا أسلموا دخل أهل مكة في الإسلام، فكان عليه الصلاة والسلام يعنى عناية خاصة بدعوة الرؤساء والزعماء؛ لما يعلموا أنه متى آمن شيخ القبيلة دخلت القبيلة في رحمة الله، هذا الغالب حسب سنة الله عز وجل.

    ها هو ذا يتصدى لهؤلاء ويعظهم ويوجههم ويطلب إليهم أن يسمعوا.. أن يصغوا.. أن يتأملوا؛ ليدخلوا في الإسلام رحمة الله تعالى، وإذا برجل يقال له: عبد الله بن أم مكتوم، وهو ابن خال خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها. ومن هي خديجة ؟ هذه المبشرة بالجنة، هذه أولى أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، ماتت بمكة ودفنت بالمعلى، وقبرها إلى الآن موجود، خديجة أم أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبناته باستثناء إبراهيم .

    إذاً: وكان هذا رجل أعمى. باللغة العامية كفيف، وإذا به يسمع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقدم وهو يقول: علمني مما علمك الله يا رسول الله.. علمني مما علمك الله يا رسول الله! وتعرفون أيضاً الكفيف صوته عالي.

    إذاً: والرسول صلى الله عليه وسلم مشغول بهذه الزمرة؛ رجاء أن يهدي الله منها من يشاء، فما كان من الرسول مع ذلك الإلحاح: علمني مما علمك الله، تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبس.. قطب.. ظهر الغضب على وجهه؛ أزعجه ابن أم مكتوم رضي الله عنه، وتركه وأقبل على رجالات قريش، وانتهى المنظر، وعاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيته، وإذا بهذه الآيات النورانية ينزل بها الوحي الإلهي: عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى [عبس:1-2].

    معاشر المستمعين والمستمعات! هذه الآداب التي أدب الله بها رسوله هي التي أصبح بها رسول صلى الله عليه وسلم الله مضرب المثل، فوالله ما عرفت الدنيا أكمل من محمد في آدابه وأخلاقه وكمالاته، ومن هنا قال: ( أدبني ربي فأحسن تأديبي ).

    ولما بلغ كماله قال تعالى: ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:1-4] الله العظيم يستعظم هذا الخلق، كم تقدرونه؟ تعجز العقول والآلات عن تقويمه، الله العظيم يشهد لرسوله بأنه على خلق عظيم.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089186552

    عدد مرات الحفظ

    782541986