إسلام ويب

تفسير سورة النازعات (2)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن المواجهة بين أهل الإيمان وبين أهل الكفر مواجهة مستمرة، والقصص الواردة في هذا الباب كثيرة مستفيضة، وقد كان لها سهم كبير ونصيب وافر في كتاب الله، منذ بدء الخلق وحتى رسالة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، ومن القصص التي تناولت الصراع بين الحق والباطل قصة موسى عليه السلام مع فرعون، فقد ذكرها القرآن في كثير من المواضع، واستحوذت على جزء كبير من بعض السور، حتى لتكاد بعض السور أن تكون في هذه القصة، مثل سورة القصص وسورة طه.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها يوم أمس سورة النازعات، والآيات المباركات نستعين بالله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها، إنه قريب مجيب سميع الدعاء.

    قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى [النازعات:15-26]، إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني المبارك الكريم.

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أعيد إلى أذهانكم بشرى نبيكم لكم من قوله في صحيح مسلم : ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) فيا لها من بشرى لمن فاز بها!

    وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من جاء مسجدي لم يأته إلا لخير يعلمه أو يتعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله )، وها نحن تلونا هذه الآيات وباسم الله نتدارسها.

    من القائل: هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى [النازعات:15]؟ أليس هذا كلام الله؟ من هو الله؟ الله الذي وهبنا وجودنا، ووهبنا أسماعنا وأبصارنا، وأعطانا عقولنا.. الذي خلق كل شيء لنا، ألا نعرفه؟! إذاً: نحن حمقى! كلامه هذا كيف وصلنا؟ وصلنا من طريق نبيه ومصطفاه وخيرته من خلقه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، أوحاه إليه في ظرف ثلاث وعشرين سنة، بدأ بـ اقْرَأْ [العلق:1] وانتهى بـ: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة:281].

    إذاً: ربنا يتكلم؟ إي والله، هذا والله من كلامه.

    ماذا قال؟ هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى [النازعات:15] يخاطب من؟ لمن يقول: هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى [النازعات:15]؟ لرسوله ومصطفاه محمد صلى الله عليه وسلم.

    أي موسى هذا؟ هاشمي.. قرشي.. عربي.. أعجمي؟ من موسى؟ هذا موسى بن عمران، كليم الله، نجي الله، نبي بني إسرائيل عليه وعلى نبينا السلام، وهذه الآيات قررت معتقدنا الحق وهو البعث الآخر.

    وتقرر هذه الآيات نبوة نبينا بما لا مجال للشك فيه، أسألكم بالله يا أهل المنطق والعقل! هل يعقل أن أمياً لا يقرأ ولا يكتب، ولا جلس بين يدي معلم قط، ولا عاش في أسرة تكتب وتقرأ أبداً، أن يحدثنا عن الكون والذرة؟ هل يعقل هذا؟! هل يمكن أن يحدثنا عن الملكوت الأعلى؟ هل له أن يحدثنا عن أعماق التاريخ البعيد؟ هل يستطيع أن يحدّثنا عن الطبائع والأخلاق؟ كيف يتم هذا؟ مستحيل! إلا أن يكون نبياً من أنبياء الله، مصطفى ممن يصطفي الله.

    موسى بن عمران عاش منذ ألف وثمانمائة سنة وزيادة قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم، عاش في فلسطين، بل عاش في مصر، وعاش في سيناء ومات بها، فمن أين لهذا العربي الأمي أن يحدثنا عن أحداث ملأت التاريخ مثل أحداث بني إسرائيل؟ كيف يعقل هذا؟ فالذي يكذب بهذه النبوة المحمدية من أهبط المخلوقات، ولا يكذب بها إلا أحد رجلين: إما أمي أعمى، وإما محتال ماكر مخادع، يضلل الناس ليصرفهم عن الحق.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089187614

    عدد مرات الحفظ

    782549207