الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنتَظِرُونَ
[السجدة:27-30].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أعيد إلى أذهانكم أن السور القرآنية المكية تعمل على إيجاد العقيدة الإسلامية الصحيحة؛ إذ لا حياة للعبد إلا بعقيدة الإسلام الصحيحة، وصاحب هذه العقيدة حي يسمع ويبصر، ويقول ويأخذ ويعطي، ويذهب ويجيء، وفاقدها ميت.
فالعقيدة الإسلامية الصحيحة كما حواها القرآن وبينها الرسول عليه الصلاة والسلام بمنزلة الروح لصاحبها، وفاقدها ميت.
وها هم الذين ليس لهم عقيدة يسمعون حي على الصلاة فلا يجيبون ولا يصلون؛ لأنهم أموات.
واعلموا أن من أعظم أركان هذه العقيدة وأهمها الإيمان بالله رباً لا رب غيره، وإلهاً لا معبود سواه، واعتقاد البعث الآخر، وما يتم فيه من الجزاء، إما بالنعيم المقيم، وإما بالعذاب الأليم، وقد علمتم -زادكم الله علماً- أن علة هذه الحياة هي العمل خيراً كان أو شراً، وأن علة الحياة الثانية هي الجزاء، إما بالجنة وإما بالنار، ولن يستطيع أحد أن يرد هذه الحقيقة العلمية، فهذه دار العمل،
اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ
[التوبة:105]. والدار الآخرة دار الجزاء.
ثانياً: القلب الذي ملئ وعمر بالإيمان بالدار الآخرة وما يتم فيها من حساب وعقاب وجزاء، إما بالجنة أو بالنار، هذا القلب صاحبه لا يسقط سقوط الملاحدة والعلمانيين، وقد تزل قدمه ويرتكب ذنباً، ولكن لا يلبث أن يتوب ويبكي بين يدي الله مستغفراً، وأما فاقد هذه العقيدة -عقيدة البعث الآخر والجزاء على الكسب في الدنيا- فهو شر الخلق، وقلبه ميت، وقد بينت أنه لا يوثق فيه، ولا يعول عليه، ولا يسند إليه أمر؛ لأنه من شر الخلق. وهذه السور المكية كبارها وصغارها تعمل على إيجاد العقيدة، وتركز على عقيدة البعث والجزاء.
وإليكم هذه الآيات الأربع، فإنها تقرر هذه العقيدة، عقيدة البعث الآخر والجزاء على الكسب في هذه الدنيا.
قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم:
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ 
[السجدة:30]، أي : اتركهم وما يشركون، وما يقولون من باطل، وما يحتجون به من أكاذيب وأقوال باطلة.
وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنتَظِرُونَ 
[السجدة:30]، أي: وانتظر ما يحل بهم وما ينزل بساحتهم من الدمار والخراب والهلاك في الدنيا والآخرة، وهم منتظرون أيضاً أن تموت أو تقتل أو ما إلى ذلك، مما كانوا يتمنونه ويرجونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد نزلت بهم أحداث في الدنيا، فقد انهزموا في بدر وقتلوا، وأصابهم الجدب العارم الذي قتلهم بالجوع ، وسوف ينزل بهم عذاب الدار الآخرة إن لم يتوبوا إلى الله، ويسلموا قلوبهم ووجوههم لله، ويموتوا مسلمين.
نستمع إلى شرح الآيات في الكتاب.
معنى الآيات
هداية الآيات
قال: [ هداية الآيات ] الآن مع هداية الآيات:
[ من هداية الآيات:
أولاً: تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الأدلة المقررة لها ] وأكبر دليل أن الأرض الجافة اليابسة إذا نزل عليها الماء تنبت، وكذلك عظامنا التي فنيت وأجسادنا التي تحللت، ولكن العظم الصغير الذي في آخر ظهرنا باقٍ كالبذرة في الأرض، فينزل الماء من السماء، فننبت كما ينبت البقل.
[ ثانياً: استعجال الكافرين العذاب دال على جهلهم وطيشهم ] ومطالبتهم به يدل على حمقهم وطيشهم وجهلهم، وإلا فالعاقل لا يستعجل العذاب، ولكنهم حمقى ويعيشون في ظلمة الجهل والكفر.
[ ثالثاً: بيان أن التوبة لا تقبل عند معاينة العذاب أو مشاهدة ملك الموت ساعة الاحتضار ] وكما علمتم لا تقبل التوبة يوم القيامة، كما لا تقبل عند مشاهدة ملك الموت، فإذا مرض الإنسان وقعد على سرير الموت وأخذت الروح تخرج من جسمه شيئاً فشيئاً حتى تصل إلى حلقومه فهناك يكون ملك الموت وأعوانه ينتظرون ففي تلك اللحظة لا تقبل له توبة أبداً؛ لأنه في حكم من مات.