إسلام ويب

تفسير سورة المؤمنون (5)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان الناس بعد آدم عليه السلام يعبدون الله وحده، وكان فيهم صلحاء وأولياء، وكان على رأس هؤلاء خمسة نفر، فلما مات هؤلاء الخمسة سول الشيطان للناس اتخاذ صور تذكرهم بهؤلاء النفر ليحملهم ذلك على طاعة الله والخشوع له، فلما تطاول عليهم العهد، ومات منهم القرون الأول وفني العلماء عبدوا هذه الصور من دون الله، فبعث الله إليهم نبيه نوحاً عليه السلام لا ستنقاذهم من حمأة الشرك، وإخراجهم من ظلمة الكفر.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ * فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ * قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ [المؤمنون:23-26].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ [المؤمنون:23]، هذه بداية قصص قصها الله على رسولنا في هذه السورة، وذلك من أجل حمله على الثبات والصبر، ومن أجل تسليته والتخفيف عنه مما يصيبه من الكرب والهم والغم من المشركين، وهذا الرسول الذي أخبر الله تعالى عنه أنه أرسله هو نوح عليه السلام، ونوح هذا لقب له، واسمه عبد الغفار، كذا قال أهل التفسير، وهو أول الرسل، إذ الفترة ما بينه وبين آدم لم تكن طويلة، وكان الناس يعبدون الله ويوحدونه بما شرع لهم على لسان أنبيائهم ورسلهم، وذلك من آدم إلى شيث إلى غيرهم.

    وعندما مات العلماء وانقطع العلم زين الشيطان لأولئك الأقوام عبادة خمسة أولياء، وهم: ود، ويغوث ، ويعوق ، ونسر ، وسواع ، وهؤلاء كما في صحيح البخاري كانوا رجالاً صالحين وأولياء لله رب العالمين، فجاء الشيطان وزين للناس أن ينصبوا على منازلهم أو مجالسهم نصباً، فإذا شاهدوها اتعظوا وبكوا وخشوا، وذكروهم بالله وبالدار الآخرة، فما كان من أولئك الناس إلا أن وضعوا تلك الأصنام صوراً لهؤلاء الأولياء الخمسة، ومضى ذاك الجيل ومات الناس في ذلك القرن، وجاء قرن آخر ومات العلماء، وأخذ الناس يعبدونهم من دون الله تعالى.

    ومما ذكره البخاري: أن هؤلاء الخمسة عبدوا في بلاد العرب موزعين في قبائل العرب زمناً طويلاً، ويستشهد بقول الشاعر:

    يعيش الله في الدنيا ويدري ولا يعيش يعوق ولا يدري

    و يعوق هذا أحد الخمسة، وقد كان يوجد في قريتنا التي ولدنا فيها وتربينا فيها يغوث ويعوق ، وكان أهل القرية إذا أجدبوا وانقطع المطر يأتون برجالهم ونسائهم فيطوفون ويهللون وينادون ويستغيثون، ولا يعودون حتى يسقوا كما يقولون.

    وقد رأينا أن ولياً من أولياء الله تعالى -كما أُخبرنا- مات، فوضعوا صورته على قبره كأنه هو، وذلك في حجرة فوق القبر، وأخذوا يدعونه وينادونه ويستغيثون به! وهذا كله من تزيين الشياطين لإفساد البشرية وإهلاكها؛ لأن الشياطين هم أهل النار، وسبب ذلك هو تمرد أبيهم عن الخضوع لله والسجود لآدم، فأبلسه الله وأيئسه من رحمته هو وذريته ومن يمشي وراءهم ويقول بقولهم، ويعمل بعملهم، فهو لهذا لا يريد أن يرى مؤمناً مستقيماً يدخل الجنة أبداً، وبالتالي فيحسنون الأباطيل، ويزينون القبائح، ويحملون على الشرك والكفر الأمر العجب، وافتح عينيك في العالم كله، كم مليوناً من الكفار؟ من كفرهم؟ من حرمهم من الإيمان؟ من صرفهم عن الإسلام؟ الحديد والنار؟ لا والله، وإنما الشياطين هي التي صرفتهم.

    وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا [المؤمنون:23] أي: وعزتنا وجلالنا! أرسلنا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ [المؤمنون:23] وقوم نوح -كما علمتم- كانوا مشركين خرافيين وثنيين، ومع ذلك كانوا يؤمنون بالله ويعرفون الملائكة كما سيأتي، ولكن فقط عمهم الجهل وغطاهم الضلال وأصبحوا يتقربون إلى الله بعبادة هذه الأصنام، وذلك كما حدث في أمة الإسلام فضلاً عن العرب في الجاهلية.

    وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [المؤمنون:23] وهذه كلمته الأولى التي سمعوها اعْبُدُوا اللَّهَ [المؤمنون:23] أي: أطيعوه بإذعان وخضوع، فافعلوا ما يأمركم به، واتركوا ما ينهاكم عنه، وتحببوا إليه فأحبوه، وتقربوا إليه بفعل الطاعات وفعل الخيرات.

    مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [المؤمنون:23] أبداً، ووالله لا إله لهم غير الله تعالى، إذ الإله المعبود الذي استوجب العبادة بخلقه ورزقه للعابدين.. الإله المعبود بحق الذي خلق ورزق، الذي دبر الحياة ونظمها، فهذا الذي يعبد ويؤله؛ لأنه خالق رازق مدبر، أما ما يُعبد من صنم أو حجر أو إنسان أو شيطان فبأي حق يؤله؟ تأليه باطل، وذلك كالذي ينصب حجراً ويقول: هذه ملك من الملوك! أو هذا أمير من الأمراء!

    أيعقل هذا الكلام؟

    مَا لَكُمْ [المؤمنون:23] أي: ليس لكم من إله غير الله تعالى. وهم يعرفون الله ويسمعون به؛ لأنهم قريبون من النبوات السابقة.

    أَفَلا تَتَّقُونَ [المؤمنون:23]، أي: أفلا تتركون هذه العبادة وتتقون الله تعالى وتخافون عقابه وعذابه؟

    مَا لَكُمْ [المؤمنون:23] يحثهم على أن يتخلوا عن عبادة تلك الأصنام، وأن يعبدوا الله وحده عز وجل، ويذكرهم بأن الله يغضب ويسخط، ويحب ويرضى، فاعبدوه وتقربوا إليه يحبكم ويرضى عنكم، أما أن تشركوا به وتعبدوا هذه الأوثان معه، فإنه يسخط عليكم ويعذبكم، ما لكم لا تتقون الله تعالى؟ ما لكم لا تتقون غضبه وسخطه وعذابه؟ يحثهم على التقوى.

    إذاً: هذه كلمات نوح عليه السلام، ولا ندري لعله قالها خلال يوم، أو خلال أسبوع، أو خلال شهر، أو خلال مائة سنة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088484589

    عدد مرات الحفظ

    776949411