إسلام ويب

تفسير سورة النور (2)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من الضرورات الخمس التي جاء الإسلام بحفظها: أعراض المسلمين، فأتى بكل ما يكفل حفظها وصيانتها، ومن ذلك أن أوجب الإتيان بأربعة شهداء على من ادعى على مسلم أو مسلمة الوقوع في فاحشة الزنا، فإن تحقق ذلك وإلا جلد المدعي ثمانين جلدة حد القذف، أما إن كان المدعي زوجاً فقد شرع في حقه أن يشهد أربع شهادات بوقوع زوجته في الزنا، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ويدرأ عن الزوجة الحد أن تشهد أربع شهادات أنها ما زنت، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    ها نحن مع هذه الآيات المباركة التي تدارسناها أمس، ولم نبين فيها ما ينبغي بيانه، ولم نعرف منها ما ينبغي معرفته، فنعيدها الليلة، ونضيف إليها آيات اللعان.

    أعوذ بالله من الشيطان: سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ * وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ * وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ [النور:1-10].

    حد الزنا

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! علمنا من قول ربنا تعالى: سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا [النور:1] أنها تضمنت أحكاماً شرعية مفروض العمل بها، فهيا بنا إلى هذه الأحكام:

    أولاً: الزاني غير المحصن وغير الثيب إذا زنى يجلد مائة جلدة، ويغرب عاماً، والزانية غير المحصنة وغير الثيب إذا زنت تجلد مائة جلدة، ولا تغرب؛ لأن التغريب قد يضر بها. وهذا في الأحرار.

    وأما العبيد فإذا زنى العبد فيجلد خمسين جلدة على نصف ما يجلده الحر.

    والمحصن -بمعنى: المتزوج- الذي عرف الزواج، وسواء تزوج وطلق أو أبقى زوجته، وكذلك المرأة إذا تزوجت وسواء طلقت أو مات زوجها أو بقيت معه، فمن عرف النكاح والوطء بالنكاح الشرعي يقال فيه: إنه يرجم بالحجارة حتى الموت إذا زنى، والآية التي تدل على هذا الحكم منسوخة التلاوة. فقد نزل في كتاب الله: والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة؛ نكالاً من الله، والله عزيز حكيم. ثم نسخ اللفظ وبقي الحكم. وهذا من عجائب القرآن، كما قال تعالى: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا [البقرة:106]، أي: نؤخرها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [البقرة:106].

    إذاً الزنا: هو أن يزني الرجل أو تزني المرأة، فإن كانا ثيبين -أي: سبق أن تزوجا، وعرفا الزواج- فالحكم عندما يثبت عليهم ذلك الإعدام بالرجم بالحجارة حتى الموت، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بـماعز ، وإن كانا محصنين ولم يتزوجا بعد ولم يعرفا النكاح وزنيا وثبت الزنا فالحكم أن يجلد الرجل مائة جلدة، ويغرب عاماً، وأما المرأة فلا تغرب؛ لأن تغريبها يضر بها، فلا يبعث بها من المدينة إلى الصين مثلاً، ولكن الرجل يقدر على أن يصبر على نفسه.

    وقد بينت لكم سر هذا التغريب، وهو: حتى لا تذكر الفاحشة بين الناس؛ إذ لو جلد مائة جلدة وبقي يمشي فكل من يمر يقول: هذا هو الذي زنى، وهذا هو الذي رجم. وهذا تذكير بالفاحشة، والتذكير بها يوقع فيها، وهذه فطرة البشر، فلابد أن تمحى.

    وإذا كان الزانيان ثيبين بأن سبق أن تزوجا وعرفا النكاح والوطء ثم زنيا فالحكم هو الرجم بالحجارة حتى الموت، وآية الرجم منسوخة، وقد أجمع على أنها من كتاب الله ثم نسخ تلاوتها، وهي: والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة؛ نكالاً من الله، والله عزيز حكيم. فقد نسخ اللفظ وبقي الحكم، وهذا بلا خلاف بين الصحابة والتابعين والأئمة.

    حكم القذف

    ثانياً: حكم القذف، وهو الرمي، فأيما مؤمن يرمي مؤمناً بالفاحشة فإما أن يحضر أربعة شهود على ما ادعاه وقاله، وإما أن يجلد ثمانين جلدة، وتسقط عدالته في المجتمع، ولا تقبل له شهادة، إلا إذا تاب وصحت توبته، وعرف بين الناس أنه تائب. فالقذف هو أن يقذف، بمعنى: يرمي المؤمن أخاه أو أخته المؤمنة بكلمة زنت أو زانية أو لاط، فإما أن يأتي بأربعة شهداء على دعواه، وإما يكشف عن ظهره ليجلد ثمانين جلدة، كما قال تعالى: (( فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ))[النور:4]. اللهم (( إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))[النور:5]. هذا حد القذف. يبقى إذا زنى العبد أو زنت الأمة، فالحكم الشرعي الذي طبق في الإسلام على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة هو أنه يجلد خمسين جلدة نصف العذاب. فالعبد والأمة إذا زنيا بدل أن يجلدا مائة جلدة عليهما نصف العذاب خمسين جلدة. وإذا قذف العبد فلا يجلد ثمانين جلدة ، بل النصف أربعين جلدة؛ لقول الله تعالى: (( فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ))[النساء:25].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088456236

    عدد مرات الحفظ

    776839142