إسلام ويب

تفسير سورة النور (4)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • على الرغم مما تسببت به حادثة الإفك من الألم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته والمؤمنين الصادقين، إلا أنها كانت سبباً في بيان بعض الأحكام التي كان يحتاج إليها المسلمون آنذاك، ومن ذلك بيان ما يلزم المؤمن تجاه الشائعات من الحذر والاستيقان وعدم الخوض فيها، ومنها بيان أن في أوساط المسلمين من يحب إشاعة الفاحشة فيهم من المنافقين وأعداء الدين، ومنها حث المسلمين على بذل المعروف للضعفاء منهم على الرغم من إساءتهم، وذلك ابتغاء وجه الله وطلباً لمرضاته، وهذا ما يظهر في موقف أبي بكر الصديق من مسطح.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:19-22].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قال ربنا جل ذكره: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النور:19]. مازال السياق الكريم في بيان أولئك الذين ولغوا في الإفك ووقعوا فيه، وهم العصبة التي من بينهم وعلى رأسهم عبد الله بن أبي ابن سلول ، ثم مسطح بن أثاثة ، ثم حسان بن ثابت ، ثم حمنة بنت جحش .

    أما ابن أبي فهو من كبار المنافقين، ومصيره جهنم، يخلد فيها أبداً. ولكن الذين ولغوا في هذا الإفك وتورطوا - وهم من أربعة إلى عشرة- فهذا الخطاب والعتاب لهم.

    يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ [النور:19] وتظهر وتنتشر بين المؤمنين والمؤمنات.

    وهنا يا معشر المستمعين والمستمعات! يجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف أنه لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يظهر الفاحشة في بلد إسلامي، أي: فاحشة الزنا، والعياذ بالله تعالى. وإلا فله هذا الوعيد الشديد، وهو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ [النور:19]، أي: يشتهون بنفوسهم، أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ [النور:19] وتظهر، وهي: فاحشة الزنا واللواط والعياذ بالله، فِي الَّذِينَ آمَنُوا [النور:19]. وأما في الكافرين فلهم شأنهم، فالكفار إلى جهنم، وليسوا في الطريق المستقيم إلى الجنة، فلهذا يزنون أو يفجرون، أو يفتحون أندية اللواط أو يفعلون ما يفعلون، فلهم شأنهم؛ لأنهم لا قيمة لهم، ولكن المؤمنين الربانين أولياء الله الذين من عباده الصالحين لا يجوز أن تظهر الفاحشة في بلادهم، ولا يسمحوا بها، ولا يتعاونوا عليها بعد أن جاء هذا الوعيد الشديد، واسمعه في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ [النور:19] مجرد حب فقط أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا [النور:19] فجزاؤهم لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النور:19]. وهو في الدنيا الجلد ثمانين جلدة. فهذا جزاء من يشيع الفاحشة، ويقول: فلان زنى، أو فلانة زنت، أو فلان كذا أو كذا إن لم يأت بأربعة شهود، وهيهات هيهات أن يأتي بهم! فإن لم يأت بهم فليكشف ظهره ليجلد ثمانين جلدة، ثم يغرب بعيداً من البلاد سنة كاملة؛ للقضاء على الفاحشة؛ حتى لا توجد ولا تظهر في بلاد المسلمين؛ لأنها من أقبح ما يكون من القبح والعياذ بالله.

    فقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ [النور:19] تظهر وتنتشر، وهي فاحشة الزنا واللواط فِي الَّذِينَ آمَنُوا [النور:19]، أي: في بلد المؤمنين لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:19]. موجع فِي الدُّنْيَا [النور:19]. وهو كما علمتم الحد -حد القذف-، وهو ثمانون جلدة، وتغريب سنة. وَالآخِرَةِ [النور:19]. إن لم يتوبوا، وهو عذاب النار. وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور:19]. فلا تتعجبوا كيف يوعد الله ويهدد هؤلاء؛ لأنه يعلم ما لا تعلمون أنتم، فهو يعلم أن الفاحشة إذا ظهرت في قرية أو في مدينة أو في إقليم انتشرت، وإذا انتشرت هبطت النفوس وخبثت الأرواح، وأصبحوا كلهم أهلاً لجهنم، ولا يعبدون الله، ولا يتقربون إليه. فهو يعلم عواقب انتشار الفاحشة، وما يترتب عليها من الشر والفساد. فلهذا لا تعجبوا من هذا.

    وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ [النور:19] فيتكلمون بها ويتناقلونها ويتحدثون بها في مجالسهم، هؤلاء لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:19]. موجع فِي الدُّنْيَا [النور:19]. ألا وهو الحد ثمانين جلدة، ثم التغريب عاماً، ثم ترك شهادتهم، وهبوط قيمتهم. وفي الآخرة إن لم يتوبوا فمصيرهم جهنم والعياذ بالله، ولكن إن تابوا تاب الله عليهم.

    والذين عرفنا عنهم هذا من أصحاب رسول الله تابوا وتاب الله عليهم، وهم من أهل الجنة، إلا ابن أبي ؛ فإنه منافق كافر، لا يؤمن بالله ولا برسوله.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088516223

    عدد مرات الحفظ

    777066301