إسلام ويب

تفسير سورة الأحزاب (11)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الإيمان بالله يستلزم التسليم المطلق له، والقبول لكل ما يجيء به من أمر ونهي، وهذا ينطبق أيضاً على ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لمؤمن ولا مؤمنة أن يرد أمر الله ورسوله، وقد بين الله هنا حادثة زواج زيد بن حارثة بزينب بنت جحش، وما صاحبها من أحكام صارت دستوراً لكل مسلم ومسلمة، بدأ بالتسليم المطلق لأمر الله ورسوله، وانتهاء ببيان حكم الزواج ممن تزوج بها أحد أدعياء الرجل.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا * وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا * مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا * الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا * مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب:36-40]..

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! في الجاهلية قبل الإسلام كان الرجل إذا تبنى ولداً وقال هذا ابني فإنه يصبح يعرف بابن فلان، وينزل منزلة الابن، وإذا أراد أن يتزوج هذا المدعى لا يتزوج مدعي زوجته؛ لأنه ابنه، وإذا مات يرثه، ويرثه مدعيه أيضاً. وهذه القضية الجاهلية أراد الله أن يبطلها وفعل وله الحمد والمنة.

    وأذكركم بأن زيد بن حارثة الكلبي رضي الله عنه وأرضاه اختطف من جهة الشمال أيام كان الغزو والسلب والنهب من العرب المشركين، وجيء به إلى مكة، فبيع فيها على أنه عبد، فاشتراه عم خديجة أو زوجها حكيم بن حزام ووهبه لـخديجة يخدمها، وشاء الله تتزوج خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتهبه هذا الغلام وهذا العبد، وهو زيد ، فصار يدعى ابن محمد صلى الله عليه وسلم، وتمضي الأيام ويجيء والده وإخوانه إلى مكة يبحثون عن ولدهم، فعثروا على ولدهم زيد بن حارثة مولى لمحمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا مستعدين أن يدفعوا قيمة مالية ويعطيهم ولدهم، ولكن الحبيب صلى الله عليه وسلم عدل في القضية وقال: ( أنا أخيره ). فهو مخير، فإن شاء يبقى معي، وإن شاء يذهب مع والده. فخيره تخييراً كاملاً، فقال: ( يا زيد! إن شئت تبقى مع محمد، وإن شئت تعود إلى والدك وأعمامك وإخوانك ). فأبى أن يختار إلا أن يكون لمحمد صلى الله عليه وسلم، وقال: لا أختار على رسول الله أباً أو أماً. ففاز فوزاً عظيماً، وأصبح يعرف بزيد بن محمد صلى الله عليه وسلم، وتمضي الأيام ويقضي الرسول بمكة ثلاثة عشرة سنة، وهو نبي ورسول، ثم التحق بالمدينة مهاجراً. وأراد الله أن يبطل هذه العادة الباطلة السيئة، فحملها رسوله صلى الله عليه وسلم لينهض بها، فأوحي إليه بأن يخطب زينب بنت جحش لـزيد بن حارثة الكلبي، وكان الرسول الكريم لا أشد حياء منه، فقد كان أشد حياء من البكر في بيتها، فما استطاع أن يفصح في الخطبة، وأن يخطب زينب بنت عمته لمولاه زيد بن حارثة ، فلما سمعت الخطبة رضي الله عنها فهمت أنه يخطبها لنفسه، فأحبت أن تكون أم المؤمنين، ولها الحق في ذلك، وبعد يومين أو ثلاث تحدث الناس والنساء وقالوا: أنت مخطوبة لـزيد ، وليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فعظم الأمر عندها، وقالت حمية: أنا سيدة شريفة، ولن أتزوج مولى من موالي الناس، ولن يكون هذا أبداً، ووقف إلى جنبها أخوها عبد الله بن جحش ، وكان أول من غزى في الإسلام، وقال: لا، فهذا مولى من الموالي، وهذه شريفة وحرة، ولن تتزوجه. ففصل الله القضية، فأنزل الله تعالى هذه الآية: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]. فليس من شأن المؤمن ولا المؤمنة إذا حكم الله بشيء وقضى فيه بالمنع أو الإعطاء أو التحليل أو التحريم أن يبقى له الخيار في ذلك، فإن شاء قبل وإن شاء أبى، فهذا يتنافى مع الإيمان، ولن يكون صاحبه مؤمناً أبداً، ولا من أهل الإيمان، فقد قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36]. فما كان من زينب وعبد الله إلا أن ارتعدت فرائصهما وقالا: آمنا بالله، وسلمت نفسها لـزيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وهذا الموقف ينفعنا لو نقفه. فيا عباد الله! الربا حرام، والبنوك محرمة، فلا تحلونها وتستحلونها، وقد قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا [الأحزاب:36]. وقد قضى بتحريم الربا قضاء مبرماً نهائياً، فلا نستبيحه ونبني البنوك، ونشتغل فيها ونبيع ونشتري معها.

    وتأملوا قوله: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ [الأحزاب:36]. فهذا مطلق في القرن الأول والثاني وإلى يوم القيامة، فإذا قضى الله ورسوله أمراً بالحل أو بالتحريم .. بالمنع أو الإجازة فليس هناك خيرة أبداً، بل على المسلمين أن ينصاعوا، وأن ينقادوا، وأن يحلوا ما أحل الله، أو يحرموا ما حرم، وإلا فلا إيمان. وهذه الآية واضحة الدلالة على هذا.

    ثم قال تعالى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36]. واضحاً مبينا لا شك فيه، ولن يهتد إلا إذا هداه الله.

    وانقادت زينب وعبد الله ، وسلمت نفسها وسلمها أخوها، وتزوج زيد زينب أم المؤمنين فيما بعد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3089182849

    عدد مرات الحفظ

    782516042