إسلام ويب

تفسير سورة الأحزاب (16)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • فضل النبي صلى الله عليه وسلم على المؤمنين عظيم، فبه أخرجهم الله من الظلمات إلى النور، فكان أولى بهم من أنفسهم، ومن قدره صلى الله عليه وسلم عندهم كان قدر أزواجه رضوان الله عليهم، فهن أمهات المؤمنين، لهن عند المؤمنين الكرامة والصيانة، فلا يتطلع إليهن بعد رسول الله أحد من الرجال، ولا يسألن إلا من وراء حجاب.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا * إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا * لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [الأحزاب:53-55].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هيا نقضي هذه الساعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه؛ ليزداد إيماننا بالله ورسوله، ويزداد حبنا في الله ورسوله.

    قال تعالى هذا النداء المبارك الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [الأحزاب:53]، أي: يا من آمنتم بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً، ويا من آمنتم بالله ولقائه! فأنتم أحياء تسمعون النداء، وإذا أمرتم فعلتم، وإذا نهيتم فعلتم؛ وذلك لكمال إيمانكم، فالمؤمن كامل الإيمان حي، يسمع ويبصر، ويعطي ويمنع.

    وفي قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ [الأحزاب:53]. حرم الله تعالى على المؤمنين أن يدخلوا بيوت النبي صلى الله عليه وسلم بدون إذنه، وبيوت الرسول تسع، وكل حجرة بها امرأة وزوجة. فقال تعالى: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ [الأحزاب:53] محمد صلى الله عليه وسلم، إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ [الأحزاب:53]. فلابد من الاستئذان بالدخول، فإن قال: ادخل دخلت، وإذا قال: لا فلا تدخل. وهذا عام في كل بيت من بيوت المؤمنين والمؤمنات. وقد تقدم قول الله تعالى في سورة النور: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور:27]. فلابد وأن تقول: السلام عليكم، أندخل؟ فإن قال رب البيت ادخل دخلت، وإن قال: لا رجعت. وبيوت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول الله فيها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ [الأحزاب:53]. والذي يأذن لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان هذا في وليمة زينب بنت جحش رضي الله عنها، لما عقد الله تعالى لها النكاح في السماء وبشر بذلك رسول الله، ونزل جبريل به، فأقام الرسول مأدبة فخمة عظيمة من لحوم وخبز.

    فقال تعالى: إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ [الأحزاب:53]، أي: تأكلونه، ووليمة من الولائم، سواء بعد الظهر أو بعد العصر أو بعد المغرب. وهذا حال كونكم غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ [الأحزاب:53]. والإناه هنا الوقت. ومعنى هذا: إذا دعيت إلى الغداء ما تأتي من الضحى فتجلس في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، بل تأتي بعد صلاة الظهر وتدخل. وكان بعض البهاليل يقولون: ما دامت الدعوة موجودة فهيا نمشي نتنفس، فيجلسون قبل الوليمة الساعة والساعتين، وفي هذا مضايقة على أهل البيت، والرسول ما أطاق هذا، ولكنه ما استطاع أن يصرفهم، ولكن الله كفاه وبين لأوليائه ماذا يفعلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ألا يدخلوا حتى يوجد الطعام، وأما وهو يطبخ أو ما زال ما وصل البيت فلا يذهبون إلى البيت ويضايقون أهل البيت، فهذا لا يجوز، وفعله بعضهم، فنهاهم الله عن ذلك، ومنعهم منعاً باتاً، وهذا عام في بيوت المؤمنين أجمعين.

    وكذلك قال لهم: غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا [الأحزاب:53]. فلا تأتون بدون إذن، وإذا دعيتم فتفضلوا ادخلوا، كما قال تعالى: إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا [الأحزاب:53]، أي: اخرجوا، هذا إلى بيته وهذا إلى بيته، وهذا إلى دكانه وهذا إلى عمله؛ لأن جماعة من البهاليل أيضاً كانوا يجلسون بعد الأكل، وزينب في جانب الغرفة ساكتة، وهم يتكلمون ويستأنسون بأحاديثهم، وهذا ما ينبغي. فإذا طعمت وفرغت فاخرج. والرسول دخل عليهم وما استطاع أن يقول: اخرجوا، ودخل والله مرتين أو ثلاثاً، حتى نزلت الآية، فاستحى أن يقول: قوموا، فقد أكلتم فاخرجوا. ونحن الآن نقولها، فنقول: لقد تغديتم فمع السلامة اخرجوا. ولكن الحبيب صلى الله عليه وسلم أخلاقه فوق مستوى أخلاق البشر، فدخل عليهم وما قال: اخرجوا، ولكنه لم يكن راضياً ببقائهم، فدخل مرتين أو ثلاثة.

    وقوله: وَلا مُسْتَأْنِسِينَ [الأحزاب:53]، الاستئناس بالحديث أن يتحدثوا كما تعرفون أحاديث الناس. فقال تعالى: وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ [الأحزاب:53]. وبالفعل فقد آذاه وتألم له، فقد كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ [الأحزاب:53]. ولكمال خلقه ما يستطيع أن يقول: اخرجوا، فقد تغديتم فاخرجوا؛ وذلك لكمال خلقه السامي العالي الرفيع. وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ [الأحزاب:53]. بل الله يقول الحق وما يستحي منه.

    إذاً: معشر المستمعين والمستمعات! من دعاه أخاه إلى غداء أو عشاء أو وليمة إذا فرغ يخرج، ولا يبقى ساكتاً أو يستأنس بالأحاديث، ويؤذي أهل البيت. وهذا سهل والحمد لله.

    النهي عن سؤال النساء من دون حجاب

    قال تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53]. فإذا كنت في الغرفة أو في الحجرة واحتجت إلى إناء .. إلى ماء .. إلى ملعقة .. إلى كذا فاسأل من وراء الحجاب، ولا تزيل الحجاب وتقول: يا فلانة! أعطني. وهذا في زوجات الرسول أمهات المؤمنين، وهو من باب أولى في غيرهن. فمن كان في بيت أخيه وقد دعاه إلى وليمة واحتاج إلى شيء ما يكشف الحجاب عن النساء، بل يسألهن من وراء الحجاب، ويقول: أعطوني ملعقة .. أحضروا لنا الماء مثلاً؛ لقوله تعالى: فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53]. والحجاب: الستار الذي يستر، سواء كان باباً أو رواقاً أو ما إلى ذلك.

    ثم يقول تعالى: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]. وافهموا هذا أيها الشبان! بل أيها الفحول! وثقوا أن من تكلم مع امرأة أجنبية غير محرم لابد وأن يقع في نفسه شيء، أحب أم كره، فمن تكلم مع أجنبية كلاماً مشافهة يسمع كلامها وتسمع كلامه فلابد وأن يقع في قلبه شيء من الزيغ. والزيغ هو أن يتذكر الشهوة، ويتذكر الجماع، ويتفكر النساء، ويذكر هكذا، ولابد أن يقع له هذا. والله عز وجل يقول: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ [الأحزاب:53]. فإذا سألتموهن فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53]. وهذا السؤال من وراء الحجاب أطهر لقلوبكم وقلوب المؤمنات أيضاً، فالمؤمنة تتأثر بكلام الرجل والله العظيم، فلهذا لا يحل لمؤمن أن يتكلم مع مؤمنة من غير محارمه إلا من ضرورة. ولا تقولوا: يا شيخ! إنها تغني في الإذاعة، وإنها تفتي وتسأل وتجيب، ولا يحدث هذا، بل والله إنه يحدث لهذه النصوص الكريمة. فلا يحل لمؤمن أن يستمع إلى صوت أجنبية إلا من ضرورةو وحاجة تدعو إلى ذلك، وأما يسمع ويريد أن يتلذذ فوالله ما يجوز هذا. وهذا النص واضح، وهو قوله: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، أي: المؤمنات اللائي تتكلمون معهن. فإن كان هناك ضرورة فلا بأس، كما تقدم، كأن تقرع الباب فتقول: من؟ وما تزيد كلمة على هذه، فإذا قلت: أين أبو إبراهيم؟ فتقول: لا أدري أو في المسجد، ولا تزيد كلمة ثانية. ولا تقل ما سمعناه وتبنا منه من قول: مين وإمالتها. والقولة معروفة كلمة واحدة، كأن تقول: في المنزل .. لا أدري، وهكذا. لأن كلامها لا يحل لذلك الرجل أن يتلذذ به ويسمعه، وهي كذلك.

    النهي عن إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

    قال تعالى: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ [الأحزاب:53]. وأذية الرسول كالكفر من أكبر الذنوب، ولذلك قال تعالى: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا [الأحزاب:53]. وهذه نزلت في بعضهم، فقد قال: إذا توفي رسول الله أنا أتزوج عائشة . وهذه طباع البشر، وهذه قلوبهم. فقد خطر بباله إذا مات الرسول أن يتزوج خير النساء أم المؤمنين، فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة: وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا [الأحزاب:53]، لأنهن أمهاتكم، والرجل لا ينكح أمه لا في ديار الكفر ولا في ديار الإيمان، ونساء الرسول تسع، وهن أمهات المؤمنين، فكيف تقول: لو مات الرسول أتزوج امرأته؟ ثم ما إن نزلت هذه الآية حتى وقفوا، ولم يخطر ببالهم من ذلك شيء، فهن أمهات المؤمنين. وأما إذا طلق الرسول امرأة فقد حصل أن بعضهم تزوجها؛ لأنها ما أصبحت من أمهات المؤمنين قبل نزول هذه الآيات، ولكن هؤلاء التسع النسوة اللائي توفي رسول الله عليهن هن أمهات المؤمنين، فلا يحل لمؤمن أن يتزوج بواحدة منهن أبداً، ولم يفعل ذلك أحد. هكذا يقول تعالى: وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ [الأحزاب:53] في بيته .. في أهله .. في عرضه، وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا [الأحزاب:53]. وقد قلت لكم: إن هذا قريب من الكفر، فمن أكبر الكبائر أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088469904

    عدد مرات الحفظ

    776902128