إسلام ويب

تفسير سورة الأحزاب (17)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للنبي صلى الله عليه وسلم عند ربه مقام رفيع فهو سبحانه يصلي عليه وتصلي عليه ملائكته، وقد أمر الله المؤمنين بالصلاة عليه كثيراً، وحذر من أذيته، وتوعد فاعل ذلك باللعنة في الدنيا والآخرة، فضلاً عما ينتظره من العذاب المهين يوم القيامة، كما حذر سبحانه من أذية أتباعه المؤمنين الصادقين وتوعد الذين يؤذونهم بالخزي والعذاب.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا * إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:56-59].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب:56]. تقدم في السياق أن الله أمر المؤمنين بأن يتأدبوا مع نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويجلوه ويعظموه، وهنا بين لهم أن الله عز وجل يعظم رسوله ويجله ويكبره، بحيث يصلي هو وملائكته عليه، وليس بعد هذا السمو والعلو والارتفاع والمنزلة العالية من منزلة. فالله جل جلاله وملائكته الذين لا يعرف عدهم ولا يحصيه إلا الله كلهم يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب:56]. وصلاة الله تعالى على النبي هي معفرته ورحمته وإعلاء منزلته، وصلاة الملائكة كذلك الاستغفار له والدعاء له، وأما صلاتنا نحن فهي الدعاء له صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب:56] محمد صلى الله عليه وسلم. وبناءً على هذا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]. فإذا كان الله جل جلاله وعظم سلطانه وإذا كان ملائكته الأطهار الذين يملئون الكون يصلون على النبي فأنتم يا عباد الله! أولى بهذا، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]. ونصلي عليه بأن ندعو له قائلين: اللهم صل على محمد وسلم تسليماً. واللهم أي: يا الله. فندعو له بالمغفرة والرحمة، وعلو المنزلة وسمو الدرجة.

    حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

    الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فريضة بهذه الآية على كل مؤمن ومؤمنة. وقال أهل العلم: أقلها مرة، وأكثرها لا حد له، فقد يسقط الواجب عنك إذا صليت مرة مؤمناً بما أمر الله مطيعاً لله. فإذا قلت: اللهم صل على محمد وسلم تسليماً فقد أديت الواجب. ولكن فضل الصلاة فضل عظيم، وحسبنا أن يكون من يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مرة يصلي الله تعالى عليه بها عشراً، وصلاة الله المغفرة والرحمة.

    حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير من الصلاة

    الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير واجبة، وذهب الإمام الشافعي إلى أن من يتعمد تركها ولم يصل في صلاته فصلاته باطلة. وأما التشهد الأول فلا صلاة فيه على النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ ينتهي بقولنا: السلام عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وأما التشهد الثاني فبعد هذا لابد من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة التي علمها رسول الله أصحابه، وهي الصيغة الإبراهيمية، وهي: ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد ). وهذه الصيغة أتم الصيغ وأكملها.

    فاعلموا أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير في الفريضة أو النافلة واجبة ومن السنن المؤكدة، حتى إن الإمام الشافعي -كما قلت لكم- يقول: من يتعمد تركها ولم يصل عليه فصلاته باطلة. فمن هنا لا يتركها مصلٍ ولا مصلية في التشهد الأخير سواء كانت الصلاة نافلة أو فريضة. والصيغة المباركة الطيبة العامة لها هي -كما سمعتم- الصلاة الإبراهيمية، وصيغها كثيرة، وأكملها هو: ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد ). ثم تقول: السلام عليكم، أو تدعو بعد ذلك بما شاء الله أن تدعو به.

    إذاً: هذه الصلاة واجبة وسنة مؤكدة، لا تترك في أي فريضة أو نافلة.

    وقد علمنا أنه إذا ذكر بين أيدينا باسمه العلم محمد أو أحمد أو الصفة كالرسول أو النبي ينبغي أن نقول: صلى الله عليه وسلم في كل حال.

    المواطن التي يستحب فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

    الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وليلتها أعظم أجراً وأكثر حسنات، فلهذا المؤمنون والمؤمنات يخصون يوم الجمعة وليلتها بالكثير من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

    كما يستحب للخطيب إذا أراد أن يخطب أن يبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم بالصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم.

    وكذلك الداعي الذي رفع يديه إلى الله يسأله ينبغي أن يبدأ بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم يدعو بعد ذلك ما شاء الله أن يدعو، ويختم دعاءه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

    وهنا لطيفة، وهي: أنه إذا قبل الله تعالى أول دعاءك وقبل آخر دعاءك فسيقبل الوسط. فتأملوا هذا. فحاشاه أن يقبل أول الدعاء ويقبل آخره ثم يرفض الوسط، ووالله ما كان. فلهذا يا من يرغب في الاستجابة لدعائه ابدأ بحمد الله والصلاة والسلام على رسوله، واختم دعاءك بالصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حتى يستجاب دعاءك ولا يرد.

    صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

    صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] هي: اللهم صل على محمد وسلم تسليماً، وإن زدت وآله وصحبه فحسن، ولكن الواجب يسقط بقول: اللهم صل على محمد وسلم تسليماً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088529468

    عدد مرات الحفظ

    777151580