إسلام ويب

تفسير سورة الأحزاب (8)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شرَّف الله أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بصحبة نبيه الكريم، فكن في خير مقام وأفضل مكان في الدنيا والآخرة، وبحكم موقعهن من النبي صلى الله عليه وسلم فقد فرض الله عليهن وضعاً غير سائر النساء، وامتحنهن امتحاناً أشد مما وقع لغيرهن، فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخيرهن بين متاع الدنيا ونعيمها وبين ما عند الله عز وجل في الآخرة مع الصبر على ضيق العيش في الدنيا، فاخترن كلهن ما عند الله وصحبة رسول الله، فرضي الله عنهن جميعاً.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [الأحزاب:28-30]

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأحزاب:28]! هذا المنادي هو الله جل جلاله، والمنادي لا يكون معدوماً غير موجود، بل هذا مستحيل. وهذا الذي ينادي قائلاً: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأحزاب:28]! هو الله رب العالمين، وهو ولي المؤمنين المتقين، وهو الذي أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وختم أنبياءه بمحمد صلى الله عليه وسلم. فهو يقول موجهاً الخطاب للنبي محمد صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأحزاب:28]! والنبي هو المنبأ والمرسل. وقد ناداه بعنوان النبوة لشرفها وكمالها، فلم يقل: يا محمد! بل قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأحزاب:28]! وهذا اللقب يرفع درجة رسول الله فوق مستوى الخلق أجمعين.

    وقال له هنا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ [الأحزاب:28]، أي: قل لزوجاتك، وكان يومئذٍ تحته تسع نساء، أولهن: عائشة ، وآخرهن صفية بنت حيي بن أخطب . وسنذكر هذه الأسماء فيما بعد إن شاء الله.

    وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا [الأحزاب:28]، المراد من الحياة الدنيا الطعام والشراب وألوانهما، واللباس والثياب والفراش. هذا هو متاع الحياة الدنيا.

    سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها ... )

    سبب نزول هذه الآية: أن نساء الرسول صلى الله عليه وسلم اجتمعن عند عائشة في حجرتها، وقلن لها: بلغي عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا لا نريد أن نبقى في هذا الضيق وهذا الهم والغم، ونساء الأنصار والمهاجرين في نعيم وفي خير، ونحن في ضيق وكرب، فبلغيه أن يفرج عنا بهذا الطلب، فبلغته عائشة ، فتألم رسول الله أشد الألم؛ لأنه لا يملك ديناراً ولا درهماً، ولا قدرة له على أن يوسع على نسائه في الطعام والشراب واللباس، بل كانت عائشة تقول: كانت إحدانا تتحيض في الثوب الواحد.

    فكرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتزلهن وجلس في مشربة عند بابه شهراً كاملاً.

    وأنتم يا أبناء الإسلام! في نعيم مقيم، في الماء البارد والطعام المهيأ واللباس المتوفر. وهذا رسول الله يكرب، وتطالبه نساؤه التسع بأن يوسع عليهن، وهو عاجز غير قادر، ووالله ما استطاع، فاعتزلهن شهراً كاملاً في مشربة في بيته، حتى أنزل الله تعالى هذا الحكم الإلهي: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ [الأحزاب:28] التسع إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ [الأحزاب:28]. وارتفعن إلى المقام السامي الرفيع، فإنكن هابطات لطلبكن الدنيا وأوساخها، فتعالين إلى مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم. فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:28]، أي: تعالين يمتعكن الرسول متاعاً حسناً بحسب قدرته وطاقته ويفارقكن، ويمتعكن متاعاً حسناً بحسب قدرته وطاقته؛ لأن المتعة مشروعة للمطلقة. فأي مؤمن صالح يطلق امرأته يتعين عليه أن يمتعها بثياب أو مال، أو ذهب أو فضة. وهذا من الإحسان الذي جاء به الإسلام.

    إذا لم تكن لائقة بك أو لم تسعد بها فطلقها، وأعطها شيئاً تعود به إلى نفسها. وهذا رسول الله يقول الله له أن يمتعهن متاعاً حسناً، ويسرحهن سراحاً جميلاً، ويذهبن حيث شئن.

    تخيير الرسول صلى الله عليه وسلم لنسائه

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088548169

    عدد مرات الحفظ

    777262794