إسلام ويب

تفسير سورة الصافات (5)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بعد فصل القضاء بين الناس يوم القيامة، ودخول أهل الجنة جنتهم، وولوج أهل النار مستقرهم، يحكي لنا الله صورة من صور أهل الجنة وهم على الأسرة متقابلون، وأن واحداً منهم يحكي حاله في الدنيا مع صاحبه الكافر، وبعد ذلك يدعو جلساءه من أهل الجنة إلى الاطلاع على مكان ذلك الصاحب في الجحيم، وكيف أخذ يكلمه ويذكره بحاله في الدنيا من الإعراض عن دعوة الحق، والاستهزاء بما جاء به الرسول من النذير، فكان مورده النار وبئس المصير.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ * أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ [الصافات:50-61].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! ها نحن مع حوار في دار السلام في الجنة، ووالله لكأننا بأعيننا ننظر إليهم، وكأننا بآذاننا نسمع كلامهم، ولولا فضل الله علينا بهذا القرآن وهذا الرسول صلى الله عليه وسلم لم نصل إلى هذا المستوى، وليس لنا هذا. وسلوا اليهود والنصارى والبوذيين والمجوس والمشركين فإنهم لا يعرفون شيئاً من هذا. ونحن الآن الحديث في الجنة نسمعه بالحرف الواحد؛ ليزداد إيماننا وصلاحنا، وليقوى بعدنا عن الشر والفساد، والظلم والخبث.

    قال تعالى: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ [الصافات:50]. وعرفنا بالأمس أنهم على الأرائك متقابلون، وأنهم على الأسرة جالسون يتحدثون، فاسمع ماذا جرى بينهم.

    قال: فأقبل بعض أهل الجنة وأهل النعيم على بعض من إخوانهم المستقبلين لهم يتساءلون، كيف كنا، وكيف كانت الدنيا، وكيف كنا نؤمر وننهى، وكيف وكان فلان وفلان، ويتحدثون عن أمور الدنيا التي عاشوها والله العظيم، وهم في النعيم على الأرائك وعلى الأسرة متكئون، فيتحدثون يتجاذبون الحديث، ويتكلمون عما كانوا عليه في الدنيا؛ لأنه لا صلاة هنا ولا صيام، ولا جهاد ولا رباط، وليس إلا الأكل والشرب والنكاح فقط، فهم في نعيم أبدي. فهم يتساءلون كيف كانوا في كذا وكذا، ومن كان عدواً لهم، وعن غير ذلك.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قال قائل منهم إني كان لي قرين ...)

    قال تعالى: قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ [الصافات:51]، أي: كان لي في الدنيا قرين ملازم لي، والمقارن الصاحب، فقد كان لي صاحب في الدنيا يقول لي مستهزئاً بي ساخراً مني ويَقُولُ [الصافات:52] لي: أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ [الصافات:52]؟ وهل أنت من المتخلفين عقلياً؟ كما يقول الآن المتأخرين، وهل أنت مصدق بأن الدنيا تنتهي، وتأتي دنيا أخرى وحياة أخرى، وفيها الكمال والسعادة، أو العذاب والشقاء؟ وهذه الكلمة والله ليقولها الملايين الآن من الناس، فلو تتكلم مع الكافر على الدار الآخر يقول هكذا، ويسخر منك ويستهزئ، وخاصة العلمانيين والبلاشفة الحمر الشيوعيين.

    وقوله: أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ [الصافات:52] هذا الاستفهام استفهام استسخار، فهو يستسخر ويستهزئ به.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمدينون)

    قال تعالى حاكياً عن هذا المكذب بيوم الدين: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ [الصافات:53]؟ والاستفهام للإنكار والتهكم والسخرية، فهو يقول: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ [الصافات:53]؟ أي: لمبعوثون من جديد خلقاً آخر؟ ووالله ما يتخلف كائن على وجه الأرض عاش فيها ولو ساعة واحدة، بل لا بد وأن يبعثه الله حياً يوم القيامة.

    وقد علمنا يا معشر المستمعين! أن هذه الدار دار عمل فقط، وما هي دار جزاء، بل الجزاء في الدار الثانية، ونحن الآن كالشغالين في مزرعة أو في مصنع، ما نتعاطى الأجرة ولا نأخذها حتى ينتهي العمل، وهذه الدنيا ما هي إلا موقوتة بأيام محدودة، والناس يعملون الخير والشر فيها، والجزاء سيأتي في عالم أوسع وآخر، ويدخلهم الجنة أو يدخلهم النار.

    وقوله: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ [الصافات:53]؟ أي: مجزيون مبعوثون. فمدينون: مجزيون بأعمالنا، محاسبون عليها.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قال هل أنتم مطلعون)

    قال تعالى: قال المؤمن -ولا ندري من هو- لإخوانه الذين يتحدث معهم في الجنة: قَال هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ [الصافات:54] معي؟ أي: نطلع على هذا الكافر في النار ونشاهده ونكلمه. ووالله العظيم لقد اطلع ورآه في جهنم، والمسافات لا يعرف مداها إلا الله، والآن الذي يكذب بهذا هو أحمق فقط، فالآن هو بالهاتف يتكلم مع من في أمريكا ويشاهد وجهه، فالآن ما بقي إيمان جديد. ولهذا سيأتي يوم قريب جداً يكون المؤمن فيه مؤمناً، والكافر كافراً، ولو تدخل في الإيمان ما يقبل منك.

    فالجنة فوق السماء السابعة، ومع ذلك ينظر أهلها إلى من هو في أسفل الكون، ويتكلمون معه، ومن قال: هذا ما هو بصحيح، ينمسخ ويكفر، ولا يكون مؤمن أبداً. وهذه لم يقلها مؤمن من المؤمنين على عهد رسول الله إلى اليوم؛ لعلمهم أن الله لا يعجزه شيء، وأن الله ما أخبر بهذا الشيء إلا وهو واقع كذلك، والآن هذه الانكشافات التي كشفها الله كلها تقربنا من الدار الآخرة، وتجعل إيماننا ليس بذلك الإيمان القوي.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فاطلع فرآه في سواء الجحيم)

    قال تعالى: فَاطَّلَعَ [الصافات:55] هو وتطلع وشاهد، فَرَآهُ فِي سَوَاءِ [الصافات:55]، أي: في وسط الْجَحِيمِ [الصافات:55]. ولا عجب والله، فلقد رآه في وسط الجحيم، ومن كذب كفر، وليس بذي عقل ولا دين ولا إيمان.

    وقد قلت لكم: لقد كشف الله لنا عجائب الكون؛ ليدل على كل ما أخبر تعالى به، وأنه واقع، فالآن تتحدث مع شخص وتشاهد صورته.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قال تالله إن كدت لتردين)

    قال تعالى: فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ [الصافات:55]. وجرى الحديث الآتي بينهما: قَالَ تَاللَّهِ [الصافات:56]، أي: والله إِنْ كِدْتَ [الصافات:56]، أي: قاربت لتهلكني. وهذا أيام أن كان يزين له الزنا والربا، والخمر والباطل والكفر؛ لأنه كان مصاحباً له في مزرعة أو في مصنع أو في عمل، وكان يغويه ويفسده. فقال له: تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ [الصافات:56]، أي: تهلكني؛ إذ لو استجاب له وشرب معه الخمر أو زنى أو لاط أو كفر لهلك كما هلك هو، ولكن ذلك عصمه الله، فلم يستجب له.

    ومن هنا يجب ألا نخالط أهل الباطل، وألا نجالسهم وألا نجتمع معهم؛ حتى ننجو من بلائهم، وإلا فقد يردوننا ويهلكوننا، بل الصالحون يجتمع بعضهم مع بعض، ويتعاملون مع بعضهم البعض، وأما أهل الفسق والفجور فإبعادهم وتركهم أولى وأحق بنا. وقد سمعتم أن هذا المؤمن قال: تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ [الصافات:56] وتهلكني. وهو سيهلكه عندما يفعل معه الجرائم التي كان يفعلها، وكان يغريه بها ويقول: نفعل.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين)

    قال تعالى حاكياً أن هذا المؤمن يقول للكافر: وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي [الصافات:57] عليّ بلطفه بي وإحسانه إلي، فقد عصمني حتى ما زنيت ولا فجرت، ولا كفرت ولا أشركت، فهذا من فضل الله عليّ. وإلا لَكُنتُ [الصافات:57] والله مِنَ الْمُحْضَرِينَ [الصافات:57] معكم في جهنم، وهو كذلك. فحلف لمن هو في النار يتكلم معه فقال: وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي [الصافات:57]، أي: علي بالهداية والتوفيق والحفظ لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [الصافات:57] معك في جهنم، وهو كذلك، ولو كفر وأشرك وفجر وظلم فلا بد وأن يكون في جهنم، كما قال: وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [الصافات:57]، أي: في جهنم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أفما نحن بميتين ...)

    قال المؤمن يوبخ الكافر كما كان ذاك يوبخه في الدنيا: أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الأُولَى [الصافات:58-59]. ونعم والله، فأهل الجنة لا يموتون، وأهل النار لا يموتون، بل الموت مرة واحدة في الدنيا، ولا يتكرر مرة أخرى أبداً. ولذلك قال له: أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [الصافات:58-59]. ووالله ما هي إلا موتة واحدة، ووممكن أصحاب النار كل يوم يموتون ألف مرة من شدة العذاب ويعودون، وأما أهل الجنة فهي موتة واحدة، وهي التي كانت في هذه الأيام في الدنيا، وبعدها لا موت، كما قال هنا: أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [الصافات:58-59] والله.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (إن هذا لهو الفوز العظيم)

    قال تعالى: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الصافات:60]. ونعم والله هذا هو الفوز العظيم؛ إذ هو نجاة من عالم الشقاء، ونجاة من النار، وما فيها من ألوان العذاب والبلاء والشقاء، ثم دخول الجنة دار النعيم المقيم، والسعادة الأبدية. إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الصافات:60]. وهو النجاة من النار ودخول الجنة فهذا والله لهو الفوز العظيم والنجاح الكبير الذي ما فوقه نجاح.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (لمثل هذا فليعمل العاملون)

    قال الله عز وجل ليعلمنا ويربينا ويوجهنا: لِمِثْلِ هَذَا [الصافات:61] الذي سمعتم فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ [الصافات:61]. فاسمعوا الله يقول لنا: لِمِثْلِ هَذَا [الصافات:61] النعيم المقيم الذي شاهدتموه بسماعكم لحديث أهل الجنة مع أهل النار، و لِمِثْلِ هَذَا [الصافات:61] أي: من أجل النجاة من النار ودخول الجنة فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ [الصافات:61]. وعملهم هذا ليس تعبيد الطرق وبناء المصانع، بل عملهم يعبدون الله، ويعملون ما فرض الله عليهم وما أوجبه، وما ألزمهم به من إقام الصلاة إلى إيتاء الزكاة .. إلى صوم رمضان .. إلى حج بيت الله الحرام .. إلى الرباط والجهاد إن جاء وقتهما .. إلى الإحسان .. إلى البر .. إلى الإحسان للأبوين .. إلى فعل الخير .. إلى قيام الليل .. إلى صيام النهار .. إلى كل هذه الصالحات، فهذه أعمال ينبغي أن نعملها، كما قال تعالى: فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ [الصافات:61]؛ إذ ما دخلوا الجنة إلا بإيمانهم وصالح أعمالهم، وما دخل هذا الخصم النار ولا استقر في الجحيم إلا لشركه وكفره، وذنوبه ومعاصيه. ولذلك قال: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ [الصافات:61]. فأيها العاملون! اعملوا لتنجوا من عذاب الله، وتسعدوا برضاه، وتسكنوا دار النعيم المقيم مع مواكب أربعة، وهم النبيون والصديقين والشهداء والصالحون، وكلنا يريد أن يكون مع هؤلاء، وقد قال الله: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء:69]. فأطع الله ورسوله يا عبد الله! ولا تعصهما، ولا تخرج عن طاعتهما حتى يتوفاك الله، وستكون والله مع تلك المواكب من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

    وقوله: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ [النساء:69] سواء كان أبيض أو أسود، أو عربياً أو عجمياً، أو في القرون الأولى أو في الأخيرة، أو فقير أو غني، أو صحيح أو مريض، بل فقط يطيع الله ويطيع الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: يمتثل أمرهما، فيفعل ما أمرا فعله، ويجتنب ما نهيا عنه وحرماه من الأقوال والأفعال والاعتقادات الباطلة. فيكون معهم. والله تعالى نسأل أن يجعلنا مع هؤلاء المذكورين.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    قال: [ هداية الآيات ] الآن مع هداية الآيات:

    [ من هداية ] هذه [ الآيات:

    أولاً: بيان عظمة الله تعالى في إقدار المؤمن على أن يتكلم مع من هو في وسط الجحيم، ويرى صورته، ويتخاطب معه، ويفهم بعضهم بعضاً، والعرض التلفازي اليوم قد سهل إدراك هذه الحقيقة ] فمن هداية هذه الآيات المباركة: بيان عظمة الله تعالى وقدرته على كل شيء؛ إذ جعل هذا المؤمن في الجنة يطلع على من هو في النار وبينهما كما قلت لكم بلايين الأميال، ولا نستطيع أن نحصيه أبداً، ويشاهده ويتكلم معه، ويرد عليه ويجاوبه، وكأنه بين يديه. ولا يقدر على هذه العظمة إلا الله، فهذا مظهر من مظاهر عظمة الله وقدرته، وعلمه وحكمته ورحمته. اللهم اجعلنا بك مؤمنين، ولأعمالك الصالحة عاملين.

    [ ثانياً: التحذير من قرناء السوء كالشباب الملحد وغيره ] فمن هداية الآيات يا معشر المستمعين والمستمعات! التحذير والتنبيه من مجالسة أهل الباطل وأهل الفسق والفجور، وخاصة الشبيبة، فلا تتهالك وتتساقط، ويهلك بعضنا بعضاً، فلنحذر هذا كما بيناه في أول الدرس، ولا نجالس الفسقة ولا الفجرة، ولا الظلمة ولا المفسدين أبداً؛ لأننا ربانيون صلحاء أولياء الله، فلا نجالس إلا أولياء الله، ولا نعمل إلا مع أولياء الله، ولا نتخذ أي عمل إلا مع أولياء الله، ولا نزوج بناتنا ولا نعطي أموالنا إلا لأولياء الله، وإلا فسوف يترتب على مجالسة الفساق والفجار البلاء الذي سمعناه في هذه الآيات في قوله: تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ [الصافات:56]. وقال: لولا نعمة ربي.

    [ ثالثاً: بيان كيف كان المكذبون يسخرون من المؤمنين، ويعدونهم متخلفين عقلياً ] فمن هداية هذه الآيات: بيان كيف كان الملاحدة والعلمانيون والبلاشفة الشيوعيون والملحدون والمكذبون بالبعث والدار الآخرة يسخرون بالمؤمنين ويستهزئون بهم، فهم يقولون: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ [الصافات:53]. وهذا والله ما يقوله الآن الكفرة الفجرة، فإذا أنت سألت منهم أحداً وقلت له: لم لا تؤمن بالله والدار الآخرة؟ يرد عليك بهذا الرد.

    [ رابعاً: لا موت في الآخرة، وإنما حياة أبدية في النعيم أو في الجحيم ] فمن هداية هذه الآيات: أنه لا موت في الدار الآخرة أبداً، لا في الجنة ولا في النار، بل الموت هنا فقط في هذه الدار؛ لننتقل إلى الدار الثانية، وما أن أغمض عيني وانقل إلى البقيع ومنه إلى دار السلام، وأما الجنة فوالله لا موت فيها أبداً، والنار كما قلت لكم يموتون فيها ويحييون بلايين المرات في كل ساعة، والعذاب ملازم لهم، والعياذ بالله.

    قال الشيخ في النهر: [ قيل لأحد الحكماء: ما شر من الموت؟ قال: الذي يتمنى فيه الموت، وقال الشاعر:

    كفى بك داء أن ترى الموت شافياً وحسب المنايا أن يكن أمانيا

    وكون لا موت في الآخرة صح في الحديث إذ ( يؤتى بالموت في صورة كبش أملح، ويذبح بين الجنة والنار، وينادي منادٍ: يا أهل الجنة! خلود ولا موت، ويا أهل النار! خلود ولا موت ) ] فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ( إذا استقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار يؤتى بالموت في صور كبش أملح، ويذبح بين الجنة والنار، وينادي مناد: يا أهل الجنة! خلود بلا موت، ويا أهل النار! خلود بلا موت ). لأن الموت ذبح أمامهم، فتطمئن نفوسهم، فليس هناك من يموت في الجنة أبداً ولا في النار. اللهم اجعلنا من أهل الجنة.

    [ رابعاً ] وأخيراً: [ الحث على كثرة الأعمال الصالحة، والبعد عن الأعمال الفاسدة ] فآخر هداية في الآيات هي: الحث على الأعمال الصالحة، والذي حثنا هو الله في قوله: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ [الصافات:61]. فهيا نكثر منها ليلاً ونهاراً ولو بذكر الله ونحن في الطرقات ماشين، ونواصل عملنا الصالح ليلاً ونهاراً؛ لأنها أيام معدودة فقط وساعات محدودة، والله هو الذي قال: لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ [الصافات:61]. فلنكن من العاملين، ولنعمل الصالحات؛ لنكمل ونسعد، وأما هذه الأيام الباطلة الزائلة فليس فيها من خير أبداً إلا ما كان من ذكر الله، فهيا نعيش على ذكر الله عز وجل بهذه العبادات والطاعات.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765794501