إسلام ويب

تفسير سورة القصص (2)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • رأى فرعون رؤيا أقضت مضجعه وأزعجته، فجمع مستشاريه فاجتمعوا على تحذيره من ولد لبني إسرائيل يكون ذهاب ملكه على يديه، وأشاروا عليه بذبح مواليد بني إسرائيل من الذكور، وهذا ما فعله الجبار العنيد، لكن يشاء الله أن يولد موسى عليه السلام في تلك الفترة، بل ويتربى ويدرج في بيت فرعون وأمام عينيه، وكل ذلك تدبير الحكيم العليم.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة القصص المكية المباركة الميمونة، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع، قال تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [القصص:7-11].

    بيان أن القصص القرآني يشهد بأن محمداً رسول من عند الله تعالى

    أسألكم: هل هذا القصص يأتي به محمد صلى الله عليه وسلم ويحصل عليه بدون وحي إلهي؟ والله ما يمكن، ثم إن هذه الأحداث التاريخية وقعت في زمان يتقدم محمداً صلى الله عليه وسلم بآلاف السنين، فلا هو ولا أمه ولا أبوه ولا جده كانوا معاصرين لها، بل ولا يعرفون عنها شيئاً، فكيف يخبر بها؟! إذاً والله إنه لرسول الله، وقد تلقى هذا العلم من الله تعالى، إذ أوحى الله إليه هذه المعارف الإلهية، فلهذا قل في صدق: محمد رسول الله، ويستحيل أن يكون غير رسول الله، وكذلك هل الذي أوحى بهذا القصص واصطفى محمداً يكون عدماً غير موجود؟! إن هذا خطأ فاحش وعمى والعياذ بالله، ووالله إن الله لموجود، إذ هو الذي أوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم وأرسله ونبأه، فكيف لا يؤمنون بالله ورسوله؟! إنهم لا يعقلون ولا يفكرون.

    معنى موسى في لغة اليهود

    قوله تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى [القصص:7]، وموسى في لغة اليهود تعني: موشي، وقد سمعنا عن موشي ديان عليه لعائن الرحمن، وقيل: سمي موسى لأنه وجد بين الماء والشجر، والله عز وجل قد سماه بالاسم الذي سمي به، إذ ناداه به سبحانه وتعالى، وأما أمه فقلَّ من قال من أهل التفسير أنها فلانة، وورد في رواية أنه يقال لها: يارخت، وهي لغة في بني إسرائيل، ولا ينفعنا هذا العلم ولا يضرنا، أي: إن معرفة اسمها وجهله غير نافع لنا.

    بيان تدبير الله تعالى لأوليائه وصالحي عباده

    وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى [القصص:7]، من الذي أوحى إليها؟ الله جل جلاله وعظم سلطانه، أوحى إليها بماذا؟ وما الذي أوحاه إليها؟ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي [القصص:7]، وقد اختلف هل أرسل الله إليها ملكاً علمها كيف تفعل؟ أو أراها رؤيا منامية كيف تفعل؟ أو ألقى في روعها -أي: في قلبها-ففهمت عن ربها؟ هذا الأخير هو الصواب والحق؛ لأنه أُطلق عليه لفظ الوحي، يقال: أوحى إليه إيحاءً، إذا أعلمه خفياً أو بطريق خفية.

    إذاً: الذي أوحى إليها هو الله جل جلاله وعظم سلطانه، فبماذا أوحى إليها؟ بأن ترضع ولدها، وقد تقدم لنا وبينا للصالحين والصالحات أن فرعون وسوس له الكهان والسياسيون فقالوا له: إن هذا الشعب سيكون منهم من يكون سبباً في زوال عرشك وملكك، وذلك لأنهم أشراف ولهم ماض عظيم، فأخذ عليه لعائن الله يذبح الأولاد الذكور ويترك الإناث، فكان أيما امرأة من بني إسرائيل قبل أن تلد لابد وأن يحضر وفد من فرعون ينظرونها متى تضع؟ فإذا وضعت ذكراً دفنوه في الأرض، وإن وضعت أنثى تركوها، وقد ذكر أهل العلم أن هارون ولد في سنة العفو، وذلك لأن فرعون لما أخذ يذبح الأولاد سنتين وثلاث وأربع خاف رجال الدولة أن تنقطع وتنتهي اليد العاملة، فقرر أن يذبح سنة ويعفو سنة، وفي سنة الذبح ولد موسى عليه السلام.

    ثم قال تعالى: فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ [القصص:7]، أي: أن يؤخذ منك ويذبح، فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ [القصص:7]، أوحى الله إليها أن ترضع ولدها الرضاع الضروري، أي: اللبن الضروري الأول، فإذا أرضعته وتغذى تكون قد أعدت صندوقاً من خشب أو تابوت من خشب مطلي بالقار، وفعلاً أعدته العدة الكاملة، وما إن ولدت وأرضعت ولدها حتى جعلته في ذلك التابوت أو في ذلك الصندوق وألقته في نهر النيل.

    ثم قال: وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي [القصص:7]، أي: لا تخافي على ولدك ولا على نفسك، وَلا تَحْزَنِي [القصص:7]، عليه، لم؟ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص:7]، وهذه الآية قد اشتملت على أمرين ونهيين وبشارتين، فالأمران هما: أرضعيه وألقيه في اليم، والنهيان هما: لا تخافي ولا تحزني، والبشارتان هما: رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين، ولهذا تفوق القرآن في البلاغة وفي أسلوبه حتى عجز العرب عن محاكاته.

    مرة أخرى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ [القصص:7]، أي: من فرعون وجيشه، فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ [القصص:7]، أي: في البحر، وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي [القصص:7]، لماذا؟ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص:7]، أي: لفرعون رسولاً ولبني إسرائيل ولغيره من الأنبياء والمرسلين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088532659

    عدد مرات الحفظ

    777170892