من هداية هذه الآيات: [أولاً: تقرير المعاد وبيان مواقف منه].
(تقرير المعاد) أي: البعث والدار الآخرة، وبيان ما سيقع ويحدث في تلك الدار، وما سمعناه هو الذي سيقع.
[ثانياً: تأكيد عداوة الشيطان للإنسان].
(تأكيد عداوة الشيطان للإنسان)، والله! إنه لعدو للإنسان؛ لأنه هو الذي وسوس لآدم وحواء فأكلا من الشجرة، فأخرجهما الله سبحانه وتعالى من الجنة وأهبطهما إلى الأرض، وإبليس عندما طلب الله سبحانه وتعالى منه أن يسجد تكبر، وقال: كيف أسجد لمن خُلق من طين وأنا مخلوق من النار؟
فأبلسه الله وأيئسه وطرده، فمن ثم يريد أن بني آدم يدخلون النار معه كلهم، وهذا همه في حياته إلى الموت إلى يوم القيامة يريد أن يفسد بني آدم ليصبحوا مشركين كافرين فسقة فجرة؛ ليدخلوا النار معه، فهي عداوة أصلية قديمة باقية إلى يوم الدين.
[ ثالثاً: عجز الإنسان يوم القيامة عن كتمان شيء من سيء أعماله وفاسدها].
(عجز الإنسان يوم القيامة على أن يكتم شيئاً من سيء أعماله)، لا كذب ولا سرقة ولا فجور ولا شرك، فلا يقوى على أن يجحد شيئاً؛ لأنه إذا أراد أن يجحد يقول تعالى: اسكت، فتنطق أعضاءه فتقول كل ما كان فعله.
أي: عجز الإنسان يوم القيامة على أن يبين شيئاً من أفعاله أبداً، فيأمر الله تعالى فمه فيطمس ثم تنطق أعضاءه كلها وتشهد عليه.
[رابعاً: التحذير من عقوبة الله في الدنيا بالمسخ ونحوه].
التحذير من عقوبة الله عز وجل في الدنيا قبل يوم القيامة، بأن يمسخ الإنسان ويصوره حيواناً أو كلباً أو كذا، أو حجارة أو طيناً، أما قال:
وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ
[يس:67] وهم في أماكنهم،
وَمَنْ نُعَمِّرْهُ
[يس:68] أي: نطيل عمره، فإن بلغ سناً يصبح فيها أقل من الطفل قدرة وفهماً وعلماً، وهذا تدبير الله عز وجل وتحذير عباده من الشرك والكفر والفسوق والفجور.
[وأخيراً: مظاهر قدرة الله تعالى في رد الإنسان بعد القوة إلى حالة الضعف الأولى].
مظاهر قدرة الله عز وجل في الإنسان أن يبدأ طفلاً، ثم يكون شاباً، ثم يكون كهلاً.. ثم يكون شيخاً، وبعد ذلك ينتكس فيصبح كالطفل، وهذه من أعظم مظاهر قدرة الله تعالى التي تتجلى في الإنسان، فكيف نقول: كيف يحيينا بعد موتنا، وكيف نؤمن بالبعث والدار الآخرة؟
فلنفكر فقط: أين كنا وكيف كنا؟ وإلى أين سنصل ونذهب؟
فالفاعل لهذا كله لا يعجز عن إعادتنا مرة ثانية؛ ليحاسبنا على كسبنا في الدنيا ويجزينا بذلك، وهكذا السور المكية كلها تقرر عقيدة البعث والجزاء.