إسلام ويب

تفسير سورة الأحقاف (3)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كان الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم تجاه آيات الله ودينه على ثلاثة أصناف: صنف جحدوا وكذبوا ولم يقبلوا آياته ولم يلتزموا طريقه، وصنف آمنوا وصدقوا وسبقوا إلى الخير، وصنف ثالث كانوا أصحاب كتاب علموا ما فيه من البشارة بدين الإسلام ودعوة سيد الأنام، فلما جاءهم النذير سارعوا في تصديقه والإيمان بآيات الله التي جاء بها فأولئك يجزون أجرهم مرتين.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فها نحن مع سورة الأحقاف سابعة آل حم، ومع هذه الآيات، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوتها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ * وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ * إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:10-14].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ [الأحقاف:10] تذكرون أن كفار مكة ومشركي مكة مكذبون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، مكذبون بأن القرآن كلام الله، مكذبون بأن البعث والدار الآخرة حق.

    هذا هو كفرهم، يضاف إلى ذلك شركهم، وأنهم يعبدون اللات والعزى ومناة، فاسمع ما يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم.

    قُلْ [الأحقاف:10] يا رسولنا لهؤلاء الكافرين المكذبين المشركين: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [الأحقاف:10]، أخبروني إن كان هذا القرآن من عند الله، وَكَفَرْتُمْ بِهِ [الأحقاف:10] فما هو جزاؤكم؟ هل تتحملون الجزاء وتطيقونه؟

    أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [الأحقاف:10] هذا الذي أقوله، وحيه أوحاه إلي لأبلغكم إياه، وَكَفَرْتُمْ بِهِ [الأحقاف:10] ولم تؤمنوا ولم تصدقوا، كيف يكون جزاؤكم؟ كيف يكون مصيركم؟

    معنى قوله تعالى: (وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم)

    ثم قال تعالى: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ [الأحقاف:10]، لنا أن نقول: هذا الشاهد هو موسى، والمشهود بمثله هو التوراة، فالذي أنزل التوراة على موسى وأرسله لِمَ ينكر عليه أن ينزل القرآن على محمد ويرسله؟ أي داع لهذا؟

    والآية تحمل أيضاً وجهاً آخر صحيحاً، وهو: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأحقاف:10] أي: عبد الله بن سلام الذي كان من علماء يهود المدينة من كبارهم، وأسلم بين يدي رسول الله، وفاز بالبشرى بالجنة، عبد الله بن سلام يشهد بأن الله أنزل التوراة وفي التوراة -والله- وصف محمد صلى الله عليه وسلم ونعوته، فآمن عبد الله بن سلام وكفرتم أنتم، فكيف يكون جزاؤكم؟ إنكم -والله- لظالمون.

    معنى قوله تعالى: (إن الله لا يهدي القوم الظالمين)

    والله يقول: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأحقاف:10] الظالم لا يهدى، لا يقبل الهداية، فمن هو الظالم، وما هو الظلم؟

    نكرر القول للمستمعين والمستمعات: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، فبدل أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر تقول: لا، لا أؤمن بهذا، هذا وضع الشيء في غير موضعه.

    فالله يرسل رسوله وينبئه وينزل عليه وحيه، ويعلمه كيف يدعو عباد الله إلى عبادة الله، فترفضون ذلك وتكفرون به، والله! إنه لهو الظلم، ومن استمر على الكفر والشرك والفسوق والفجور عناداً ومكابرة يحرم الهداية، لا يقبلها ولا يهتدي: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأحقاف:10]، فإن كان المرء عادلاً طيباً صالحاً ليس شديد الكفر ولا بمعاند؛ فبمجرد أن يدعى إلى الإسلام يدخل في الإسلام، فإن كان معانداً مكابراً ظالماً فهذا الذي يرفض وما يقبل الإسلام؛ لأن الإسلام يمنعه من شركه وفسقه وفجوره، ويقومه ويجعله مستقيماً كما يستقيم الناس، وهم ما يريدون الاستقامة، فكذبوا بالقرآن وبمن نزل عليه.

    والآن لم أمة الإسلام معرضة عن كتاب الله لا تطبق شرع الله الذي فيه؟ لماذا؟ لأن أكثرهم فاسقون، ما يريدون أن يستقيموا استقامة حق فيجتنبوا ما حرم الله وينهضوا بما أوجب الله، فلهذا يتنصلون وما يريدون أن يطبق القرآن عليهم وبينهم، وإلا لطالبوا بهذا في كل بلد وطبقوه، فما يهتدون لأنهم ظالمون، هذه سنة ماضية، فالذي توغل في الفسق وفي الفجور وفي الظلم وفي الشرك وفي الكفر ما يقبل الهداية، ما يهتدي، ما يستجيب للداعي، سنة الله عز وجل.

    واسمعوا قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ [الأحقاف:10] إذاً: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأحقاف:10] فما يهتدون.

    وليس معنى هذا أن الله أغلق باب الهداية، فبابها مفتوح، اقرع باب الله ليل نهار، اطلب الهداية فستهتدي، ولكن المتكبر والفاسق الفاجر المصر على الفساد لا يدعو الله ولا يرغب في الهداية ولا يطلبها، فلهذا لا يهتدي.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088511839

    عدد مرات الحفظ

    777043727