الله عز وجل هو الذي له التشريع والتحريم والتحليل، وليس لأحد من خلقه أن يحل ما حرم أو يحرم ما أحل؛ لأن ذلك من موجبات العبادة التي لا تكون إلا له سبحانه وتعالى، وقد بين الله عز وجل في مستهل هذه السورة ما يلزم المؤمن إن هو حرم شيئاً مما أحله الله لعباده، حيث يلزمه أن يخرج كفارة يمين عن ذلك، وهذا من رحمة الله عز وجل بعباده.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: هيا بنا إلى سورة التحريم المباركة، والمسماة بسورة النبي صلى الله عليه وسلم. الله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذه سورة التحريم، وتسمى سورة النبي صلى الله عليه وسلم.
سبب نزول سورة التحريم
سبب نزول سورة التحريم: أن أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ذهبت إلى بيت أهلها وتركت حجرتها، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم جارية -أمة- وهي مارية القبطية، فدخل معها في حجرة حفصة، فجاءت حفصة فتألمت، وقالت: على فراشي يا رسول الله! وفي حجرتي. فأراد الحبيب صلى الله عليه وسلم أن يخفف ألمها فقال لها: ( اسكتي لقد حرمتها، فلن أطأها، فهي عليّ حرام، ولا تقولي لأحد هذا ). وتمضي الساعات أو الليالي والأيام وتخلو حفصة بـعائشة ، وهما متحابتان، فأطلعت حفصةعائشة بالحاجة، وقالت لها كذا وكذا، فتألم لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أخبرته عائشة بأنه وقع كذا وكذا، فأنزل الله تعالى هذه الآيات.
معنى قوله تعالى: (يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ...)
هذه الحادثة هي التي شاء الله أن يقرر بها هذا الحكم بين المسلمين. فقال تعالى: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ [التحريم:2]. وهي مبينة في آية المائدة، وهي إطعام عشرة مساكين، أو صيام ثلاثة أيام، أو عتق رقبة.
أولاً: تقرير نبوته صلى الله عليه وسلم وبشريته الكاملة ] فقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [التحريم:1]! فناداه باسم النبوة تقريراً لنبوته صلى الله عليه وسلم وبشريته، فهو آدمي بشري، وقد قررت الآية أنه نبي.
[ ثانياً: أخذ الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى من هذه الآية أن من قال لزوجته: أنت حرام، أو حرمتك وهو لم ينو طلاقها أن عليه كفارة يمين لا غير. وذكر القرطبي في هذه المسألة ثمانية عشر قولاً للفقهاء، أشدها البتة، وأرفقها أن فيها كفارة يمين، كما هو مذهب الإمامين الشافعي وأحمد رحمهما الله تعالى ] فأقرب هذه الأقوال إلى الحق والخير والرحمة: أن من قال: أنت حرام أو محرمة علي ولم يرد الطلاق ما تطلق، بل يكفر كفارة يمين فقط، كما أذن للرسول في ذلك وشرع له، وأعتق رقبة. فمن يقول لزوجته: أنت عليّ حرام، أو أنت محرمة، أو عليّ الطلاق أو كذا وهو لا يريد ذلك يكفر كفارة يمين، ولا يعد هذا طلقة من الطلقات أبداً. وعلى هذا الشافعي وأحمد وغيرهما، عمر رضي الله عنه قبلهما.
[ ثالثاً: كرامة الرسول صلى الله عليه وسلم على ربه ] فقد تولاه الله، أدب اللتين قالتا ما قالتا. وهذه كرامة الله للرسول صلى الله عليه وسلم.