إسلام ويب

تفسير سورة التغابن (1)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يعرف الله عز وجل عباده في هذه الآيات بجلاله وكماله، ويعلمهم سبحانه كيفية عبادته وتوحيده، والحياء منه وتمجيده سبحانه فهو المطلع على ما تبديه الألسن وما تكتمه الصدور، ثم يذكرهم جل وعلا بما حل بالسابقين من الأمم والأقوام الذين كذبوا الرسل وكفروا بالرسالات، فأذاقهم الله الوبال في الدنيا، وما ينتظرهم أشد وأنكى في الآخرة والمآل.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    ها نحن الليلة مع سورة التغابن المكية المدنية، فأولها مكي، أي: نزل بمكة، وآخرها مدني، أي: نزل بالمدينة، فهيا بنا نصغي إلى هذه الآيات الست مجودة مرتلة من أحد الأبناء، ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    بسم الله الرحمن الرحيم: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ * يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [التغابن:1-6].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [التغابن:1]، هذا خبر، يخبر تعالى عباده بأنه يسبح له ما في السموات من الملائكة، والأرض من الإنسان والجان والحيوان والله العظيم. فقال: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ [التغابن:1] من الملائكة، وَمَا فِي الأَرْضِ [التغابن:1] من الإنس والجن والحيوانات. والتسبيح يكون بلسان القال كالجني والآدمي، والملائكة يسبحون الله بألسنتهم، وأما الحيوانات وهذه الموجودات فتسبح بلسان حالها. وبيان ذلك: لما تقف أمام جمل أو بعير ففكر من أوجد هذا الجمل، وأعطاه هذا الجسم الكريم، وستعلم أنه والله لن يكون إلا أكرم الكرماء، وأعلم العلماء، وأرحم الرحماء، وهكذا في كل حيوان أو حتى شجرة، فضلاً عن الكوكب، فهو يشهد أنه لا إله إلا الله، وأن الله خالقها ومدبر أمرها، وهو الذي يصرفها كيف يشاء، ويصرف كل المخلوقات.

    وقال هنا: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [التغابن:1]، ولم يقل: ومن في الأرض؛ لأن في الأرض حيوانات ما تنطق، ونباتات وأشجار.

    معشر المستمعين! ونحن نسبح الله عز وجل عندما نفتتح الصلاة بتكبيرة الإحرام، فنقول: الله أكبر، ثم نقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيره. هذه أول ما نفتتح العبادة بها. وإذا صلينا الفريضة قلنا: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين. فهذه تسع وتسعون تسبيحة، وختام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، خمس مرات في اليوم مع كل فريضة.

    ثم نقول في الورد الصباحي: سبحان الله وبحمده مائة مرة، ومثل ذلك ورد المساء: سبحان الله وبحمده مائة مرة. ووراء ذلك هناك من التسابيح والأذكار الشيء العجيب. هؤلاء المؤمنون.

    والكافرون لا يسبحون الله بلسان مقالهم، ولكن يسبحونه بلسان حالهم؛ إذ هم موجودون مخلوقون مربوبون، والذي خلقهم ووهبهم سمعهم وأبصارهم وأعطاهم عقولهم هو الله. فهم يسبحون الله بلسان الحال، وصدق الله العظيم في قوله: يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [التغابن:1].

    ثم قال تعالى: لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ [التغابن:1]. وهذا خبر ثان. فالملك لله، وليس لفلان، ففلان كان غير موجود ثم يموت ويصبح غير موجود، فالملك لله، فهو خالقه وموجده والمتصرف فيه، والمدبر له، فالملك لله، والحمد له، فهو الخالق الرازق المدبر، المحيي المميت، الضار النافع، وهو الذي نحمده بألسنتنا وأفعالنا، وأما غيره فلا يحمد، بل الذي يحمد بحق هو الله صاحب هذا الإنعام، وصاحب هذا الخير، وصاحب هذه البركات. فهو الذي خلق ورزق وأعطى، وأضر ونفع. هذا هو الله الذي له الملك وله الحمد، ويحمده من في السماوات ومن في الأرض.

    ثم قال تعالى: وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التغابن:1]. وهذا خبر ثالث. فهو يخبر تعالى أنه على كل شيء يريده قدير، ووالله لا يعجزه شيء أبداً. وإن قلت: كيف؟ فارفع رأسك إلى الشمس فهي أكبر من الأرض مليون ونصف مليون مرة، وستعرف أن الذي أوجدها هو الله، فهو لا يعجزه شيء، والسماوات السبع الطباق سماء فوق سماء الأرضون كذلك هو الذي أوجدها. فهو إذاً على كل شيء قدير. ومن هنا ارغبوا في دعائه وادعوه واسألوه؛ فإنه لا يعجزه شيء، بل وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التغابن:1].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088521623

    عدد مرات الحفظ

    777102639