قال: [ هداية الآيات ] الآن مع هداية الآيات:
[ من هداية ] هذه [ الآيات ] الثلاث التي تدارسناها بإذن الله وتوفيقه:
[ أولاً: تقرير عقيدة القضاء والقدر ] وأركان الإيمان ستة بالإجماع، والركن السادس هو: الإيمان بالقضاء والقدر. والقضاء أي: ما قضى الله وحكم به، والقدر: ما قدره في زمانه ومكانه، وكميته وصفته كما هي. وأركان الإيمان ستة، وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. فالآية الأولى:
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
[التغابن:11] تقرر القضاء والقدر.
[ ثانياً: وجوب الصبر عند نزول المصيبة ] فإذا نزلت بك مصيبة فيجب أن تصبر، فلا سخط ولا بكاء، بل آمن بالله، هذا أولاً [ والرضا والتسليم لله تعالى في قضائه وحكمه ] فما من مصيبة إلا بإذن الله، فنرضى بما حكم الله به علينا وقدره لنا ونحمده، ولا نجزع ولا نسخط ولا نغضب، فلسنا بالكافرين، بل نحن مؤمنون إيمان الصدق [ ومن تكن هذه حاله يهد الله قلبه، ويرزقه الصبر وعظيم الأجر، ويلطف به في مصيبته، وإن هو استرجع قائلاً: إنا لله وإنا إليه راجعون؛ أخلفه الله عما فقده وآجره ] فيصبح إذا أصابته المصيبة لا يكرب ولا يحزن ولا يغضب، ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله على ما أصابني الله وكفى. وهذه فضيلة، فإذا أصيب عبد الله أو أمة الله بمصيبة ما يضجر ولا يسخط، ولا يقول كلمة ضد الله، بل يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فعوضه الله خيراً مما فقده، ويثيبه ثواباً خيراً منه.
[ ثالثاً: وجوب طاعة الله وطاعة رسوله في الأمر والنهي ] فإذا أمرنا أن نصلي نصلي، وإذا أمرنا أن نزكي نزكي، وإذا أمرنا أن نبر بوالدينا نبر بوالدينا، وإذا نهانا عن الخداع فلا نخدع، وإذا نهانا عن الكفر فلا نكفر، وهكذا. بل يجب أن نطيع الله.
وإن الكذب ما خالف الاعتقاد، وإن وافق الواقع. فهم يشهدون أنك رسول الله، ولكن هذا ليس متفقاً مع ما في قلوبهم، بل مخالف. فهو باطل وكذب. وما خالف الاعتقاد وإن كان صدقاً باللسان فهو كذب، ولا يقال فيه حق ولا صدق، بل لابد فيه من الاعتقاد، فإذا كنت مثلاً: تعتقد أنك مسافر غداً وأصبحت تقول: والله إني لمسافر فأنت صادق، لكن إذا كنت عازم ألا تسافر قلت: غداً أسافر؛ لتضلل غيرك، فلست صادقاً وإن كنت ستسافر؛ لأنه لا بد من موافقة القلب وما في النفس للسان.
[ ثانياً: التحذير ] يا أبناء الإسلام! [ من الاستمرار على المعصية ] ومواصلة الذنب والجريمة، والكذب والخيانة، والسرقة والزنا، والباطل والشر والربا [ فإنه يوجب الطبع على القلب، ويحرم صاحبه الهداية ] فمواصلة العمل الباطل تنتهي بالعبد إلى أن لا يؤمن، وهذا مجرب ومشاهد. فالمؤمنون يعبدون الله، فإذا زلت أقدامهم ووقع أحدهم على معصية فعلى الفور يقول: أستغفر الله، ويبكي، ويعزم على ألا يعود؛ حتى ينمحي ذلك الأثر. وأما يرتكب الإثم الآن ويصبح عليه ويفعله غداً وبعد غد فسيأتي يوم لا يقبل منه الإيمان ولا الإسلام، ولا يتوب إلى الله. وقد أخذنا هذا من قوله تعالى:
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ
[المنافقون:3].
[ ثالثاً: التحذير من الاغترار بالمظاهر ] التي تظهر عامة [ كحسن الهندام وفصاحة اللسان ] فيحذر الله المؤمنين من أن يغتروا بالمنظر والجمال واللسان، فكم من إنسان جميل ما فيه خير، وكم من فصيح بليغ ولا خير فيه، وهؤلاء الثلاثة الجد بن قيس وابن أبي ومعتب كانوا أجمل أهل المدينة في لباسهم وكمالهم، ولكنهم كانوا شر الناس؟ كانوا شر الناس.
[ رابعاً ] وأخيراً: [ الكشف عن نفسية الخائن والظالم والمجرم، وهو الخوف والتخوف من كل صوت أو كلمة؛ خشية أن يكون ذلك بياناً لحالهم، وكشفاً لجرائمهم ] فأولئك المنافقون كانوا إذا سمعوا الصوت فزعوا؛ لأنهم يتوقعون أن ينزل بهم العذاب؛ لظلمهم وفسقهم وفجورهم. وهكذا إلى الآن أهل الفسق والفجور دائماً خائفين، يتوقعون أن تنزل بهم المحنة أو المصيبة، فإذا سمعوا أي خبر يندهشون، والعياذ بالله؛ وذلك لقلوبهم الميتة، ونفوسهم المطبوع عليها.