إسلام ويب

تفسير سورة الحجرات (3)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الأصل في عباد الله المؤمنين أن تكون كلمتهم واحدة وأمرهم واحد، لكن إذا حصل وأن اختلفت منهم طائفتان ووقع بينهما الاقتتال، فعند ذلك بين الله الموقف منهما لعباده المؤمنين، وهو أن يسعوا للصلح بينهما ابتداء درءاً للفتنة وحقناً لدماء المسلمين، فإن حصل اتفاق ووفاق فبها ونعمت، وإن بغت إحدى الطائفتين قوتلت حتى يأخذ الله الحق منها أو تفيء إلى الحق وتعود إلى الصواب، فإن فاءت فإنما المؤمنون إخوة.
    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فها نحن مع سورة الحجرات المدنية، ومع هذه الآيات، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوتها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:9-13].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9] هذا أمر الله، هذا شرع الله، هذا قانون الله، فعلى المسلمين أن يطبقوه ولا يهربوا منه ولا يمتنعوا عنه، هذا إرشاد إلهي وتربية ربانية للمجتمع الإسلامي القرآني.

    فيقول تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ [الحجرات:9] كبرتا أو صغرتا، وإن اثنان من الناس أو أربعة أو عشرة، وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الحجرات:9] ممن آمنوا بالله رباً لا رب غيره وإلهاً لا إله سواه، وآمنوا بمحمد نبي الله ورسول الله، وآمنوا بلقاء الله وما يجري في الدار الآخرة من جزاء، هؤلاء المؤمنون الصادقون إذا اقتتلوا، أي: وقع قتال بين فئتين منهم وطائفتين، جماعتين، فردين؛ فما هو واجبكم؟

    قال تعالى: فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9] يجب أن ندخل وأن نصلح بين الفئتين أو الحزبين أو الجماعتين أو الدولتين المختلفتين.

    معنى قوله تعالى: (فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ...)

    ثم قال تعالى: فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ [الحجرات:9]، فإن أصلحنا بينهما بالكتاب والسنة، بقانون السماء لا بآراء الرجال والعلماء، بقال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن أصلحنا بينهما ثم بغت إحداهما وظلمت الأخرى، ما رضيت بحكم الله وما صدر عليها، ورفضته وبغت على الطائفة الأخرى؛ فما هو واجبنا؟

    يجب أن نقاتل التي تبغي حتى ترجع إلى الحق، فقاتلوا التي تبغي وتظلم حتى تعود إلى الحق وتقنع به وتذل له، هذا واجب المسلمين: فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ [الحجرات:9] ورجعت فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا [الحجرات:9] ولا تظلموا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9] هذا حكم الله.

    ونرى اليوم جماعات تتقاتل وطوائف تتقاتل والمسلمون نائمون لا يتحركون، ومع الأسف فرطنا في هذا الواجب الإلهي؛ وذلك لقساوة قلوبنا، لجهلنا، لظلمنا، لعدم بصيرتنا، لعوامل كثيرة عملت هذا.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088534009

    عدد مرات الحفظ

    777178704